حتى معارِضو إردوغان يرون أن موقف تركيا المحايد «سليم جدّاً» و«يتلاءم مع مصالحها الوطنية»
ولم تغيّر الحرب الأوكرانية كثيراً في المعادلة المتقدّمة، لكنها أعادت طرح تساؤلات عن مدى إمكانية استمرار تركيا في سياسة التوازن هذه، على المدى البعيد. ومع أن الأزمة بين موسكو وكييف وفّرت فرصة لأنقرة لتأجيل الإجابة عن تلك التساؤلات، عبر محاولة التوسّط بين العاصمتَين الصديقتَين، إلّا أنه سيتعيّن عليها أن تجيب في نهاية المطاف. وفي السياق، يعتقد الكاتب مراد يتكين أنه «كلّما طالت الأزمة الأوكرانية، زاد الضرر الذي تتعرّض له تركيا»، معتبراً أن «هذا الأمر يجب أن يعطي أنقرة سبباً إضافياً لعدم الانغماس في مغامرات من أجل ربح سريع وقصير». ويرى يتكين أن «من المرجّح أن ترفض أنقرة سياسة الحوافز الأميركية والأوروبية، وتفضّل البقاء على الحياد»، مشيراً إلى أن «تركيا لا تزال تعاني من جهود الغرب لعرقلة صناعاتها الدفاعية، كما يضغط الغرب لإيجاد بديل من صواريخ إس 400، ويطلق شائعات عن بيعها لأوكرانيا، الأمر الذي نفته تركيا بشدّة».
من جهته، يحذر الخبير الاقتصادي المعروف، محوي إيغيلميز، من أن «ارتفاع أسعار الطاقة، وكسر سلسلة التوريد، وعدم توفّر السلع والخدمات، كما زيادة البنوك المركزية الغربية لأسعار الفائدة، ستكون لها آثار خطيرة على الاقتصاد التركي»، لافتاً إلى أن «تركيا تحتاج إلى الاقتراض الخارجي، لأنها تعاني من عجز في الحساب الجاري». وكنموذج من تلك الآثار، يبيّن أنه «لو توقّف سعر برميل النفط عند مئة دولار فقط، فإن الكلفة الإضافية على تركيا ستكون على الأقلّ 15 مليار دولار». مع ذلك، يرى إيغيلميز أن استغلال الفرص التي توفّرها «اتفاقية مونترو»، والبقاء على الحياد في الأزمة الراهنة، هما الموقف «الأكثر صوابية» في السياسة الخارجية، خلال الأعوام العشرين الماضية. كما يَعتبر أن «القيود المفروضة على الروس في العالم، ستترك أثراً إيجابياً على السياحة في تركيا، حيث لن يبقى للروس سوى هذا البلد للمجيء إليه». إلّا أنه ينبّه، في الوقت ذاته، إلى أن «انخفاض قيمة الروبل سيؤثّر على السائحين من ذوي الدخل المحدود، بينما سيتّجه الأغنياء الذين كانوا يفضّلون سواحل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، إلى سواحل تركيا، بسبب القيود الغربية».
أمّا عليف جوشكون فيكتب في صحيفة «جمهورييت»، أن «حلف شمال الأطلسي» يبدو مسروراً، حتى الآن، من مسار الحرب، حيث تبدي أوكرانيا «مقاومة» لم يتوقّعها الروس. كذلك، يبدي الغربيون ارتياحاً لعودة «اللُّحمة» بين جناحَي الأطلسي، خصوصاً بعدما اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن الحلف ميّت سريرياً. وعلى الرغم من العداء الإيديولوجي والسياسي الذي يكنّه العديد من الكتّاب الأتراك لسلطة رجب طيب إردوغان، وجوشكون واحد منهم، إلّا أنه يصف موقف تركيا المحايد بأنه «سليم جدّاً»، معتبراً أن «أنقرة، في وساطتها بين موسكو وكييف، هي الآن في موقع نادر. واستمرارها في المحافظة على هذا الموقف، يتلاءم مع مصالحها الوطنية».