إذا ما استُثنيت من المشهد تهديدات «القائمة العربية» المشاركة في حكومة نفتالي بينت، نتيجة الإحراج الذي تسبّب به لها اقتحام جنود العدو المسجد الأقصى، فإن أزمة الحكومة بدأت بالتدحرج منذ استقالة رئيسة كتلة الائتلاف في «الكنيست»، عيديت سيلمان، التي أدّى خروجها إلى تراجع القاعدة النيابية للحكومة، والتي هي هشّة في الأساس، إلى 60 عضواً، في مقابل 60 للمعارضة، موزّعين ما بين 54 لمعسكر اليمين و«الحريديم»، و6 لـ«العربية». نتيجة ذلك، تبلورت مشكلة ببعدَين: الأوّل يستند إلى التعادل النظري بين الموالاة والمعارضة، والثاني مرتبط بدينامية الأحداث ومآلاتها. قابل معسكر اليمين استقالة سيلمان بالترحيب، والتفاؤل بإمكانية تفكُّك حكومة بينت على أساس أن آخرين سيلحقون بزعيمة الائتلاف، لصالح تشكيل حكومة يمينية برئاسة نتنياهو. إلّا أن هذه التقديرات بدت متسرّعة بعض الشيء، على الأقلّ من حيث التوقيت، خاصة أن «الكنيست» في إجازة إلى 9 أيار، وقبل ذلك لا إمكانية لتَحقُّق أيّ من السيناريوات التي تأملها المعارضة.وأيّاً يكن، تُمكن للحكومة، من الناحية القانونية، مواصلة عملها كالمعتاد، بالاستناد إلى أغلبية 60 عضواً، إلّا أن مشكلتها تكمن في تمرير القوانين التي تحتاج إلى أغلبية 61 عضواً. ولعلّ أهمّ محطّة في هذا السياق تتمثّل في المصادقة على الموازنة العامة التي إن لم يتمّ إقرارها، فإن القانون يفرض حلّ الحكومة و«الكنيست» وإجراء انتخابات مبكرة. لكن ورقة الضغط التي يتسلّح بها بينت في مواجهة ذلك، هي إمكانية مساومة سيلمان، عبر التهديد بإعلانها «منشقّة» عن الكتلة في حال عدم تصويتها لصالح الموازنة، الأمر الذي سيؤدي من الناحية القانونية إلى حرمانها من الانضمام إلى أيّ كتلة للترشّح في الانتخابات المقبلة. يُضاف إلى ما تَقدّم أنه قد تكون من مصلحة بعض أعضاء «الكنيست»، وتحديداً «القائمة العربية»، أو جزء منها على الأقلّ، عدم السماح بانتخابات مبكرة تؤدي إلى عودة نتنياهو، وهو ما يتيح لها فرصة من أجل انتزاع بعض التنازلات مقابل توفير الغطاء للموازنة، على الأقلّ من الناحية النظرية. أمّا إسقاط الحكومة واستبدال أخرى بها، فتحتاج المعارضة من أجلهما إلى أغلبية 61 عضواً على الأقلّ، إضافة إلى شرط آخر متمثّل في اختيار هؤلاء مرشّحاً لرئاسة الحكومة، وهنا تَبرز أيضاً مشكلة الحاجة إلى الأصوات العربية في «الكنيست»، حيث تملك «العربية» مساحة من المناورة، تتيح لها، في حال امتناعها عن التصويت، إسقاط اقتراح حلّ «الكنيست». وحتى لو تراجعت القاعدة النيابية للحكومة إلى 59 عضواً، في حال نجاح ضغوط المعارضة لاجتذاب أحد أعضاء حزب رئيس الحكومة، «يمينا»، ستبقى بحاجة إلى الأصوات العربية إذا ما أرادت حلّ «الكنيست» أو تشكيل حكومة بديلة.
وعليه، فإن الخطر على الحكومة قد لا يكمن بالضرورة في لعبة الأرقام، وذلك نتيجة للقيود القانونية المشار إليها، وإنّما في الديناميات التي قد تَنتج من استقالة أو حادثة هنا أو هناك، والتي ستؤدّي إلى انهيار الائتلاف المتشكّل على أساس منع نتنياهو من العودة إلى الرئاسة، وهو العامل الوحيد الذي يمنع تَفجّر تناقضاته السياسية والإيديولوجية. وفي ضوء ذلك، يمكن تخيّل مروحة من السيناريوات، التي لا يوجد حتى الآن أيّ مؤشّر إلى رجحان أيّ منها. من الناحية النظرية مثلاً، ثمّة إمكانية لإسقاط الحكومة القائمة، واستبدال أخرى بها برئاسة نتنياهو، في حال انشقّت كتلة بني غانتس، «أزرق أبيض»، كونها تملك 8 أعضاء، ولكنّ هذا السيناريو مستبعد حتى الآن في ضوء تجربة الشراكة بينهما العام الماضي، والتي انقلب عليها نتنياهو وأدّت إلى انتخابات مبكرة. ومن بين السيناريوات المطروحة أيضاً، أن يؤدّي صمود حكومة بينت، ويأس «الليكود» من إمكانية تفكّكها، إلى دفع الأخير لعقد صفقة ادّعاء في ضوء المحاكمة التي يتعرّض لها بتهم الفساد والرشوة، يعترف بموجبها بالتهم المُوجَّهة إليه، مقابل عدم إدخاله السجن واعتزاله الحياة السياسية.
وفي حال تَحقُّق هذا السيناريو، يمكن بسهولة تشكيل حكومة يمينية يترأّسها «الليكود»، لكن بقيادة شخصية أخرى غير نتنياهو، وهذه المرّة بمشاركة حزبَي «يمينا» وغدعون ساعر - القيادي الذي انشقّ عن «الليكود» اعتراضاً على استمرار نتنياهو في منصبه، وشكّل حزب «أمل جديد» -، ومن دون الحاجة إلى أصوات عربية أو أحزاب من اليسار الصهيوني. ويعود ذلك إلى امتلاك معسكر اليمين، بنسخته المتطرّفة، أغلبية في «الكنيست» تؤهّله لتشكيل حكومة مستقرّة وبأغلبية مريحة، لكنّ الانقسام الأساسي داخله، حول استمرار نتنياهو في منصبه من عدمه، هو الذي أدّى إلى تمزّقه، وأدخل إسرائيل في دوامة انتخابات متوالية، انتهت إلى تشكيل حكومة تناقضات من اليمين واليسار وبعض العرب، على قاعدة منع نتنياهو من ترؤّسها.
بالاستناد إلى ما تَقدّم، يمكن التقدير أنه في كلّ السيناريوات، فإن الاستقرار الذي تتمتّع به الحكومة قد يكون خادعاً ومؤقّتاً، فيما السؤال الرئيس يتمحور حول التوقيت والعنوان الذي على أساسه سيتمّ حلّها. فالكُرة في الواقع هي في ملعب «الليكود»، الذي سيكون عليه أن يحسم ما إذا كان سيقبل بحلول موعد التناوب على رئاسة الحكومة بين بينت ووزير خارجيته، يائير لابيد، في آب 2023، وبالتالي تَحقّق المداورة بينهما، بسبب تمسّكه هو بنتنياهو رئيساً، فضلاً عن أن مسألة صفقة الادّعاء المشار إليها قد تقرّب موعد إعادة خلط الأوراق.