تتّسع الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، لتشمل كل الساحات التي يوجد فيها الطرفان، وعبر ما يتاح لها من وسائل قتالية، علنيّة أو صامتة، بالأصالة أو بالوكالة، وإنْ ابتعد كلاهما، حتّى الآن، عن المسبّبات التي من شأنها أن تؤدّي إلى مواجهة عسكرية مباشرة. مواجهةٌ أخذت بُعداً آخر، مع إقدام الاحتلال، يوم أمس، على اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني، صياد خدايي، فيما يمكن أن تتصاعد بناءً على الردّ الإيراني الذي يُفترض أن يكون بمستوى الاعتداء. وبما أنّ التسويات لا تشتغل بين المحورَين المتقابلَين، تهدف المواجهة إلى تحقيق النتيجة الصفرية: فهي حرب وجود بالنسبة إلى إسرائيل، وحرب استرداد الحقّ ومنْع فرْض الإرادات على الشعوب، بالنسبة إلى إيران. وعلى هذه الخلفية، فإنّ أيّ اقتدار إيراني، يُعدّ، من ناحية تل أبيب وحلفائها، تهديداً يختلف توصيفه وفقاً لماهية الاقتدار المقابل، ليصل إلى التهديد الوجودي، كما هي حال توصيف الاقتدار النووي. وعلى هذا، تدور رحى الحرب بمستوياتها واتجاهاتها المختلفة، من دون أن يدع الطرفان إمكانية إضرار بالآخر، إلّا ويجرّبانها.
يأتي اغتيال إسرائيل العقيد صياد خدايي في سياق المواجهة بين الجانبين (أ ف ب)

وعلى خلفية اقتدار إسرائيل الاستخباري والتسهيلات الدولية المعطاة لها في الإقليم وخارجه، تظهر، في كثير من الأحيان، على أنها الجهة التي تبادر إلى الإضرار بإيران وحلفائها، وفقاً للقدرات المادية التي تملكها وتتوفّر لها ربطاً بكل ساحة على حدة. في المقابل، تظهر إيران وحلفاؤها كمَن يتلقّى الفعل، وعليه المبادرة إلى الردّ. والفعل الإيراني المبادَر إليه ردّاً على الاعتداءات الإسرائيلية، لجم تل أبيب عن مواصلة اعتداءاتها في أكثر من دائرة ومستوى مواجهة، من بينها تحقيق الردع ومعادلات القوّة في المواجهة البحرية، حيث مُنيت تل أبيب بخسارة موصوفة، وكذلك في معادلة الردع في الساحة اللبنانية التي تلجم العدو عن الاعتداء المباشر، فضلاً عن استهداف لبنانيين وإيرانيين في أكثر من ساحة إقليمية، بينما معادلة الردّ على مصادر انطلاق الاعتداءات، كما حدث أخيراً في أربيل العراقية، من شأنها أن تمنع الاعتداءات المباشرة انطلاقاً من الإقليم، سواء أعلنت إسرائيل مسؤوليتها أو لم تعلن. لكن، في الموازاة، تواصل إيران وحلفاؤها تكوين القوّة وتعزيزها على أكثر من مستوى، ليس فقط التهديد الوجودي النووي، حيث جهود الصدّ والمواجهة الإسرائيلية - الأميركية - الغربية والإقليمية باءت بالفشل، بل أيضاً المبادرة إلى إيجاد طوق تهديد شبه دائري ضدّ إسرائيل، يُمثّل تهديداً استراتيجياً يؤرّق الكيان ومستقبله الأمني، على رغم نجاحاته في عمليات التطبيع وإلحاق الأنظمة العربية في ركب وجوده.
ويأتي اغتيال إسرائيل العقيد صياد خدايي في سياق المواجهة بين الجانبين. إلّا أن مسار المواجهة وتشعّبها يمنعان معرفة الفعل وردّ الفعل والردّ على الردّ. وتظهر هذه العملية حقائق، فيما تؤكد من جديد، على أخرى:
- الاغتيال كما يبدو من معطياته، مرتبط بالوجود الإيراني في الإقليم، وتحديداً في الساحة السورية، ولم يأتِ على خلفية البرنامج النووي الإيراني، كما حصل في السابق.
- قرار إسرائيل اغتيال شخصية عاملة وفاعلة في سوريا، يشير إلى قرار لدى تل أبيب بتغيير أسلوب المواجهة أو تعزيزها بأساليب أخرى، لصدّ أو تقليص الوجود الإيراني في سوريا. وهو ما يشير بدوره إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية المفعّلة ضدّ إيران في سوريا لم تعطِ نتيجة ما كان يؤمل منها، وأن معادلة الردّ على إسقاط قتلى إيرانيين باتت حاضرة على طاولة القرار في تل أبيب. إلّا أن إسرائيل قرّرت الهروب من التهديد إلى تهديد قد يكون أكبر وأوسع وأكثر إيذاءً لها: الارتقاء درجة، وربّما درجات، في مواجهة الوجود الإيراني في الساحة السورية، عبر ملاحقة الشخصيات الإيرانية في هذه الساحة أمنياً في إيران نفسها.
باتت الكرة الآن في ملعب إيران، التي عليها أن تقرّر وجهة الأمور. وإذا كان الردّ بذاته يحقّق لجماً للاعتداءات الإسرائيلية أو لا، إلّا أن الواقع وميزان القدرة يشيران إلى أن المواجهة تتواصل وإن بأساليب مختلفة، ضمن حرب لا يقدّر لها أن تنتهي إلّا مع نتائج وانتصارات كاملة.