«إسرائيليّةُ» كولومبيا ليست محدودة بالسلاح الذي تشتريه من دولة الاحتلال
شهدت كولومبيا، منذ عام، حراكاً جماهيرياً كبيراً تَظهر نتائجه بوضوح في استطلاعات الانتخابات الرئاسية المقرّرة جولتها الأولى غداً الأحد. فمرشّح اليسار الصريح، بلا مواربة ومساومة، غوستافو بيترو، ضَمِن مكانه في الجولة الثانية من الانتخابات؛ إذ من المتوقّع أن يحوز على أكثر من ضعفَي الأصوات التي سوف يحصدها أقرب منافسيه. في المقابل، يتخبّط المعسكر اليميني لإيجاد مرشّح قادر على منافسة بيترو في الجولة الثانية، إن لم يفجّر بيترو مفاجأة ويفوز من الجولة الأولى كما فعل أوريبي قبل عقدَين من الزمن. أحدث المرشّحين الصاعدين من اليمين هو أحد الأثرياء، رودولفو هرنانديز، الذي يشبَّه بدونالد ترامب وسيلفيو بيرلوسكوني في آن، والذي سبق وأبدى إعجابه بـ«المفكّر الألماني العظيم»، أدولف هتلر، قبل أن يعتذر لاحقاً ويقول إنه كان يقصد ألبرت أينشتاين. قد تكون فعلاً زلّة لسان، لكن مواقف هرنانديز الأخرى، العلنية والموثّقة، لا تقلّ نازيةً، إلّا أنها لا تلقى ردّة الفعل التي تتطلّب منه الاعتذار، لأنها مُوجَّهة غالباً ضدّ الفئات المستضعفة واللاجئين. هذا وينعت الإعلام الإمبريالي الرجل الثمانينيّ ذا التواجد الزاهي على منصّات التواصل الاجتماعي، بـ«المحارب للفساد». هناك مرشّحون آخرون يتنافسون على مواجهة بيترو (والخسارة أمامه وفقاً لكلّ الاستطلاعات) في الجولة الثانية من الانتخابات منتصف حزيران القادم، لكنّ الاستطلاعات تشير إلى أن حظوظ الأخير في الفوز تتحسّن إذا كان المركز الثاني الأحد من نصيب فيديريكو غوتييريز، المقرّب من «الأوريبية»، وإن كان يتنكّر لها اليوم ويدّعي «التغيير»، أو سيرخيو فاخاردو «الوسطي».
يتّهم أعداء غوستافو بيترو، المقاتل السابق في «حركة 19 أبريل» اليسارية، بأنه إذا فاز سوف ينقل كولومبيا إلى معسكر فنزويلا ونيكاراغوا. في المقابل، سبق للرئيس الفنزويلي أن صنّف بيترو ضمن «اليسار الجبان»، إلى جانب غابرييل بوريك في تشيلي. خلال آخر مناظرة تلفزيونية رئاسية، أجاب بيترو على «تهمة» التماهي مع الحكومة الفنزويلية بأن تشافيز ومادورو جعلا من فنزويلا متّكلة على النفط، بينما هو يريد عكس ذلك لكولومبيا. أحد بنود حملته الانتخابية هو استعادة العلاقات الدبلوماسية مع حكومة كراكاس، أيّاً كانت الحكومة الموجودة هناك. بيترو ليس يسارياً زائفاً مثل بوريك، كما أنه لن يتمكّن من نقل كولومبيا إلى الجبهة الثورية دفعة واحدة. لكنّ انتخابه رئيساً سوف يحرّك الخطط الانقلابية التي وضعتها واشنطن لكولومبيا، والتي لم يكن أحد ليتصوّر أنها قد تُستعمل قبل عام عندما كانت واشنطن تحشد مرتزقتها على حدود هذا البلد لتتوجّه فاتحةً نحو كراكاس. لم يفز بيترو رسمياً بعد، لكنّ الشعب الكولومبي قال كلمته ولفظ «الأوريبية» و«الأسرلة»، وكلّ من يعرف تاريخ القارة بات يترقّب المحاولة الانقلابية الآتية لا محالة. السؤال هو أيّ نموذج سوف يُستخدم؟ قد تكون المحاولة استباقية كما في هايتي حيث قامت فرقة مرتزقة كولومبية بالمهمّة. لكن ذلك مؤشّر ضعف كبير لواشنطن، خاصة أن «الأوريبية» الوفيّة تنخر في كلّ إدارات الدولة الرسمية وميليشياتها، ما يجعل بيترو حتى لو فاز، مكبّل الأيدي، مثل رئيس البيرو، بيدرو كاستييو، الذي فاز برئاسة بلاده العام الماضي. أو قد يخطو العسكر خطى الجيش البوليفي أو المحاكم خُطى القضاء البرازيلي في الانقلاب على إرادة الشعب. هناك أيضاً تجارب واشنطن في هندوراس والإكوادور وغيرهما من انقلابات هذه الألفية فقط، من دون أن نعود أجيالاً إلى الوراء حيث لا تُحصى تدخّلات حكّام شمال القارة في شؤون جنوبها. قد تفشل واشنطن فشلاً «غوايدوياً» ثانياً في كولومبيا، لكنّها حتماً لن تتقبّل خسارة إسرائيلها اللاتينية من دون شرف المحاولة الانقلابية.