«هذا الخريف، سيكون رو على قائمة الاقتراع. الحرّيات الشخصية ستكون على قائمة الاقتراع». متأخّراً، يحاول الحزب الديموقراطي اللحاق بركب انتخابات منتصف الولاية، مستنداً ليس إلى «الإنجازات» التي حقّقتها الإدارة الأميركية تحت قيادة جو بايدن، خلال سنةٍ ونصف سنة من عمرها، ولكن إلى ما يَعتقد أنها عناوين يمكن أن تجمع قواعده الناخبة ولا يكون الاقتصاد في مقدّمها، مِن مِثل التقاط قرار المحكمة العليا الأميركية إلغاء اعتبار الإجهاض حقّاً دستوريّاً فيدرالياً، والبناء عليه بصفته ورقةً رابحة. وفي غياب أيّ إنجازات يمكن الحزب الركون إليها، خصوصاً في ظلّ وضعٍ اقتصادي مأزوم: تنامي معدّلات التضخّم، والارتفاع الجنوني في الأسعار، والمترافق مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً، وجّه الديموقراطيون حملاتهم الانتخابية في اتّجاه عنوانَين خلافيَّين لطالما شكّلا معاً ركناً رئيساً في أيّ انتخابات أميركية: الإجهاض، والسلاح المتفلّت.واقعاً، شكّل قرار المحكمة العليا الأميركية، الصادر في الـ24 من حزيران الماضي، إلغاء اعتبار الإجهاض حقّاً مكفولاً دستوريّاً منذ عام 1973، «متنفَّساً» للحزب الديموقراطي، وإن كان له وقْع الزلزال، كونه يقضي على نصف قرن من الحماية الدستورية في واحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأميركي. واتّخذت المحكمة خطوةً تاريخية بإلغاء القرار المعروف باسم «رو ضد واد»، والذي كرّس حقّ المرأة في الإجهاض، مانحةً سلطات الولايات صلاحية تشريع عمليات الإجهاض، أو تقنينها، أو حتى تجريمها، كما كان سائداً قبل السبعينيات، في حُكم عدَّه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بأنه يمثّل «إرادة الله»، فيما وصفه بايدن بالـ«خطأ المأسوي» النابع من «أيديولوجيا متطرفة». ويأمل الديموقراطيون أن يسهم ردّ فعل قاعدتهم الناخبة على القرار، في تحسين فرصهم في انتخابات الكونغرس والاحتفاظ بأحد مجلسَيه اللذين يسيطر عليهما راهناً، كما بحاكمية بعض الولايات، في ظلّ تنبّؤ استطلاعات الرأي باكتساح جمهوري، يعزّزه التراجع اللافت في شعبية بايدن وحزبه. في الوقت ذاته، تبنّى الكونغرس الأميركي قانوناً يهدف إلى تنظيم حيازة السلاح، ويوفّر، على وجه الخصوص، دعماً لقوانين في كل ولاية على حدة تُتيح للسلطات أن تنزع من كلّ شخص تعتبره خطِراً، الأسلحة النارية التي بحوزته. وجاء القانون الذي وقّعه الرئيس الأميركي وينصّ على التحقّق من السجلَّين الجنائي والنفسي لكلّ مَن يراوح عمره بين 18 و21 سنة ويرغب في شراء سلاح ناري، غداة إلغاء المحكمة العليا «قيوداً» مفروضة على حمل السلاح، أُقرّت منذ عام 1913 بموجب قانون ولاية نيويورك الذي ينصّ على إثبات وجود حاجة مشروعة أو «سبب مناسب» للحصول على تصريح لحمل مسدّس في الأماكن العامة. بالتالي، أكد القرار الجديد بوضوح، وللمرّة الأولى، أن للأميركيين الحقّ في حمل السلاح خارج منازلهم.
دفع إلغاء «رو»، المعركة المتفجّرة حول حقوق الإجهاض إلى مركز العديد من سباقات منتصف الولاية، ليحوّل الصراع على سباق الحاكميّة ومقاعد مجلس الشيوخ، إلى مناقشات ساخنة حول الحرّية الشخصية والصحة العامة. بالنسبة إلى الديموقراطيين والبيت الأبيض، فإن القرار الصادر عن الغالبية المحافظة في المحكمة العليا «كابوس أصبح حقيقة». مع هذا، فهم يأملون في أن يجذب القرار المزيد من الناخبين إلى جانبهم، وأن يؤدّي إلى تحفيز القاعدة الليبرالية وإبعاد الناخبين المتأرجحين في الضواحي - الذين ساعدوهم على الفوز في الانتخابات الأخيرة -، عن الجمهوريين. والحجّة التي يُتوقَّع أن يسوقها الحزب، من الآن وحتى تشرين الثاني المقبل، في الإعلانات ورسائل البريد الإلكتروني لجمع التبرعات والمناقشات والتجمّعات، هي أن خصومه في «الكابيتول هيل» يتماهون مع القضاة المتطرّفين والناشطين الذين انتزعوا «الحقوق الراسخة» من الأميركيين. كما يأملون في أن تهيمن هذه الشعارات على حملاتهم، للتعويض عن تأثير التضّخم، والذي أدّى إلى انخفاض معدلات التأييد لبايدن، بحسب ما تبيّن استطلاعات الرأي. ويتمظهر ما تقدَّم، في مسارعة بعض المرشحين الديموقراطيين، مِن مِثل جون فيترمان، المرشّح إلى مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا، إلى توجيه الغضب من القرار نحو انتخابات التجديد النصفي: «إنه غير عادل. إنه خطأ. سأحاربه بكل ما لدي... انتخبوني، وسأصوّت لتقنين رو». على الضفة المقابِلة، اعتنق الزعماء الجمهوريون الحُكم، إذ أشاد ترامب بقرار «اتّخذه الله»، على رغم أنه هو مَن رشَّح ثلاثة من القضاة المحافظين الستّة في المحكمة العليا الذين وقّعوا عليه. إلّا أن المشرّعين الجمهوريين في الولايات المتأرجحة بدوا أكثر حذراً؛ إذ قال بريان فيتزباتريك (جمهوري - بنسلفانيا)، إن الولايات التي تفكر في فرْض قيود جديدة ردّاً على الحُكم، تحتاج إلى إيجاد أرضيّة وسط «تحترم خصوصيّة المرأة واستقلاليتها، وتحترم أيضاً قدسية الحياة البشرية». وفي هذا الإطار تتساءل صحيفة «نيويورك تايمز» عمّا إذا كان الناخبون المتأرجحون - على وجه الخصوص، النساء المستقلّات من الضواحي المتنوعة، اللواتي يركّزن حالياً على المصاعب الاقتصادية - سيحوّلون انتباههم إلى «الكفاح من أجل الوصول إلى الإجهاض». يركّز النشطاء والاستراتيجيون الحزبيون، الذين كانوا يستعدّون، منذ أشهر، للتعبئة حول هذه القضيّة، بشكل خاص على سباقات الحاكميّة في ميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا، وهي ثلاث ولايات يقودها حالياً حكّام ديموقراطيون، وحيث يمكن أن تؤثّر نتائج هذا الخريف بشكل مباشر في مستقبل حقوق الإجهاض، وتالياً الحزب الديموقراطي. وعلى رغم هذه التعبئة، لا يتوقّع العديد من الاستراتيجيين الحزبيين، وفق ما تنقل الصحيفة نفسها، أن يحوّل القرار تركيز الناخبين عن «مخاوف تكلفة المعيشة». لكن البعض يرى أنه يعزّز حجّتهم الأساسية ضد الجمهوريين: «الجناح اليميني للحزب هو المسيطر، ويركّز - قبل كل شيء - على المعارك الثقافية». وبحسب المحلّلة الاستراتيجية الديموقراطية، سيليندا ليك، فإن «القضايا الاقتصادية ستفوق دائماً الإجهاض بالنسبة إلى كثير من الناخبين. ولكن من المهمّ بالنسبة إلى الديموقراطيين - لكسب هؤلاء الناخبين المتأرجحين - أن يتعاملوا مع الموضوع على أنه اختيار وليس استفتاءً»