أوْقعت روسيا نفسها في خطأ تقديراتها التحدّيات المستقبلية التي رأت أنها ستُواجهها، وعلى هذا الأساس، عمدت إلى بناء قوّتها العسكرية، بما يشمل الخطط والإنتاج والاستيعاب والإجراءات التشغيلية المختلفة. وعلى رغم أن موسكو زادت ميزانية الصناعات العسكرية لديها أضعافاً مضاعَفة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، إلّا أن تركيزها انصبّ في اتّجاه ما يمكن أن يقابِل الجيش الروسي من تهديدات عظمى، وليس تكتيكية نسبية. دفَع ذلك المخطّطين الروس إلى إنتاج عسكري متفاوت، مع التركيز على المستويات الأعلى، مِن مِثل الطائرات المقاتلة الخفيّة عن الرادارات، والسفن الحربية الحديثة، وأنظمة الرصد والمراقبة والدفاع الجوي، إلّا أنهم أهملوا في المقابل قطاعات واسعة من الأنظمة التسليحية، ومن بينها الطائرات المسيّرة، التي اقتصر إنتاجها على نطاق محدود، بلا فاعلية عملية، وفق ما يَثبت اليوم في مواجهة برّية هجينة تُخاض ضدّ الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، على الأرض الأوكرانية.تدخُّل القوى الغربية تسليحاً وإدارةً للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني، غيّر المعادلات؛ إذ بدل أن تكون الحرب سريعة وخاطفة، تحوّلت إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، الأمر الذي أبرز الحاجة إلى سلاح من نوع مختلف. هكذا، بات على روسيا أن تبحث عمّا يساعدها في تحقيق أهدافها من دون الاحتكاك المباشر في معارك عادت لتكون برّية، مع مواجهات مباشرة لم تكن ملحوظة لدى التخطيط العسكري الابتدائي للحرب، على طاولة التخطيط العسكري في موسكو. نظرياً، كان لدى الروس 4 مورّدين محتمَلين: إسرائيل والصين وإيران وكوريا الشمالية. بالنسبة إلى الأولى، بدا محسوماً أنها لن تغامر بخطوات مُعاكسة للإرادة الغربية إلى هذا الحدّ، فيما الثانية لديها أسباب خاصة بها، تدْفعها إلى التمهّل في التورّط مباشرة في حرب، ترى أن استمرارها ومنع الغلَبة فيها سريعاً، على تقديرات معتدّ بها، يصبّان في مصلحتها المباشرة. أمّا بيونغ يانغ، فإن طائراتها المسيّرة بدائية جدّاً ومحدودة، ولا تلبّي المطلوب منها روسياً، وبهذا لم يبقَ أمام صاحب القرار في موسكو إلّا طهران، التي سارعت على ما يبدو إلى تلبية الحاجة الروسية، بلا إبطاء.
التجربة العملية في ساحة القتال أثبتت، إلى الآن، صوابيّة اختيار الجانب الروسي للمسيّرات الإيرانية، إذ، منذ ظهور هذه الأخيرة في السماء الأوكرانية، ظهرت قدرتها على الفتك والتملّص، وفي أكثر من جبهة قتال، ما أسهم في تغيير وجه المعركة. لكن يبقى السؤال الرئيس: ما الثمن الذي تَجبيه إيران حيال تلك المساعدة؟