طهران | فاقم الهجوم الإرهابي، الذي استهدف مساء الأربعاء ضريح «شاه جراغ» في مدينة شيراز جنوب إيران، في خضمّ الاحتجاجات والاضطرابات الأخيرة في هذا البلد، القلقَ إزاء تزايُد تحرّكات المجموعات المسلّحة، وما بات يُطلَق عليه مشروع «سورنة إيران» (تحويلها إلى سوريا أخرى). وأظهرت لقطات سجّلتها كاميرات مراقبة أمنية وبثّها التلفزيون الرسمي، المهاجم وهو يَدخل الضريح، بعدما خبّأ بندقية في حقيبة، ليبدأ بإطلاق النار، بينما كان المصلّون يحاولون الفرار والاختباء في الممرّات، قبل أن تُلقي الشرطة القبض عليه عقب إصابته بالرصاص. وأكّد مسؤولون إيرانيون اعتقال المهاجم، فيما أفادت وسائل إعلام رسمية بأنه ليس إيرانياً. ودانت الأمم المتحدة والعديد من دول العالم، من جهتها، الاعتداء الذي تبنّاه تنظيم «داعش» بحسب بعض وسائل الإعلام، وتسبّب بمقتل 15 شخصاً وإصابة ما يزيد عن 20 آخرين. وكان التنظيم قد أعلن مسؤوليته عن هجمات سابقة، من بينها اثنان في 2017 استهدفا البرلمان وضريح مؤسّس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني.وجاءت هذه الواقعة في اليوم نفسه الذي شهدت فيه بعض المدن الإيرانية، بما فيها طهران، تجمّعات احتجاجية ومناهِضة للحكومة بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الشابّة مهسا أميني، أثناء احتجازها لدى «شرطة الأخلاق». وفي سياق هذا التزامن، بدا لافتاً حديث وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، عن أن «التيّار الإرهابي قد دخل على الخطّ من خلال استغلال مناخ الاضطرابات»، في ما قد يؤشّر إلى أن انشغال قوّات الأمن الإيرانية بالاحتجاجات والاضطرابات خلال الأسابيع الأخيرة، أفسح المجال أمام المجموعات الإرهابية للتحرّك بشكل أسهل. وفي الاتّجاه نفسه، حذّر الرئيس إبراهيم رئيسي من أن «أعمال الشغب تمهّد الأرضية لوقوع هجمات إرهابية»، فيما توعّد قائد «الحرس الثوري»، اللواء حسين سلامي، في بيان، «أعداء إيران» بأن «نار غضب الشعب الإيراني الواعي وانتقامه ستلقّن معسكر الشيطان جزاء عملهم المخزي». وأشار رئيس هيئة الأركان المسلّحة الإيرانية، محمد باقري، بدوره، بأصابع الاتّهام إلى ما سمّاه «المثلّث المشؤوم العبري العربي الغربي»، المسؤول عن «تخطيط الفتنة وإدارتها في إيران».
دقّ هجوم شيراز الإرهابي ناقوس الخطر من دخول إيران في مرحلة من التدهور الأمني


هكذا، يبدو أن هجوم شيراز الإرهابي دقّ ناقوس الخطر من دخول إيران في مرحلة من التدهور الأمني، وهو ما سيدفع قوّات الأمن والشرطة إلى تشديد إجراءاتها خلال الأيام المقبلة، وسط ما يبدو أنه مزاج عام داعم لهذه الإجراءات. وفي هذا الخصوص، رأت صحيفة «كيهان» الأصولية أنه «لو تمّ التعامل مع مُثيري الشغب بما يتناسب مع ممارساتهم، ربّما لم نكن نشهد ما حدث يوم أمس، ولما كان الإرهابيون رأوا أن الأجواء باتت مهيّأة وجاهزة لهم لاقتراف جريمة كهذه»، مضيفة إن «اعتماد سياسة التسامح والحلم والمداراة مع هؤلاء ومَن يُوجّهونهم، أوصل الأمر إلى هذا الحدّ». ورأت صحيفة «جوان»، القريبة من «الحرس الثوري»، من جهتها، في مقال بعنوان «حمام الدم في شاه جراغ»، أن «الشغب والإرهاب يشكّلان قطعتَي أحجية لحرب مركّبة تُشنّ ضدّ إيران»، قائلة: «عندما نتحدّث عن الهجوم المُعادي المركّب، فإن تزامنه مع الدعوة التي أطلقتها الفئات المناوئة للثورة للقيام بأعمال شغب ووضع عقوبات جديدة، يجعل الموقف ذا مغزى. وكأن ثمّة أحجية، تتوارد قِطعها الواحدة تلو الأخرى لتأخذ مواقعها». أمّا صحيفة «إيران» الحكومية، فقد نبّهت، في مقالها الافتتاحي بعنوان «الاضطرابات تعبّد الطريق للاغتيال»، إلى أن «استمرار أعمال العنف، حتى بصورة متفرّقة، يمهّد الأرضية للمزيد من الإجراءات الأمنية المضادّة ضدّ البلاد ومواطنينا. والمتوقّع من الجهاز الأمني والشرطي أن يتصدّى بحزم وقوة لمُثيري الشغب والفوضى».
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، حذّر الكثيرون في إيران، حتى من بين منتقِدي النظام، من أن الاحتجاجات لا يجب أن تأخذ طابعاً راديكالياً، وتتحرّك في اتّجاه زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد. وممّا فاقم تلك الهواجس، وجعَلها تطفو إلى السطح، وقوع بعض الاشتباكات المسلّحة، وعلى وجه التحديد في محافظة سيستان وبلوجستان جنوب شرق إيران والمتاخمة لباكستان، وكذلك محافظة كردستان غرب البلاد والمتاخمة لإقليم كردستان العراق، والتي كان محورها المجموعات المذهبية المتطرّفة أو تلك الانفصالية.
وفي خضمّ هذه الأجواء المشحونة في الداخل الإيراني، لا تزال علاقات الغرب مع إيران تشهد مزيداً من التوتّر، إذ أقدمت الولايات المتحدة، أوّل من أمس، في إطار العقوبات الغربية الجديدة المتعلّقة بـ«حقوق الإنسان»، على إدراج 14 من المسؤولين العسكريين والمدنيين، وكذلك 3 كيانات إيرانية، على قائمة العقوبات. وبالتزامن، أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أنها تُراجع علاقات ألمانيا السياسية مع إيران، وأنها ستفرض قيوداً على إصدار تأشيرات على الصعيد الوطني، للطاقم الدبلوماسي والخدمي الإيراني، بينما يسري حديث عن تهيّؤ الاتحاد الأوروبي لفرْض رزمة عقوبات جديدة على طهران. وفي المقابل، فرضت وزارة الخارجية الإيرانية عقوبات ضدّ أشخاص وكيانات في الاتحاد الأوروبي «بسبب إجراءاتهم المتعمّدة في دعم الإرهاب والمجموعات الإرهابية».