غزة | لم تأخذ نتائج الانتخابات الإسرائيلية مساحة الاهتمام المعتادة في الشارع الغزّي. ظَهر فوز بنيامين نتنياهو كـ«تريند» تَصدّر مواقع التواصل الاجتماعي لساعات، ثمّ غاب كأنّ «الحريق» الإسرائيلي الداخلي وانعكاساته على القطاع، لا تعني أحداً. الكاتب خالد جمعة عبّر، في منشور عبر صفحته على «فايسبوك»، عن حال شريحة واسعة من السكّان، بقوله «(إنّني) غير مهتمّ بالانتخابات الإسرائيلية، ولا أتابعها، ولم أتابعها يوماً»، مضيفاً: «لا فرق عندي إنْ فاز نتنياهو أو لابيد أو خليل أبو وردة، إسرائيل لديها منهج ومَن يحاول الخروج عنه سيتمّ اغتياله ولو كان بحجم إسحاق رابين». في المقابل، استغلّ عدد النشطاء السياسيين نتائج الانتخابات للتصويب على «حماس»، على اعتبار أن نتنياهو كان أوّل مَن وافق، تحت ضغط «مسيرات العودة الكبرى»، على إدخال شُنط أموال المِنحة القطرية إلى القطاع، ضمن سياسة «شراء الهدوء». وفي هذا الإطار، قال الشاب محمد صالحة، في منشور عبر «فايسبوك»: «عاد عرّاب المنحة القطرية، وأوّل مَن أدخل شُنط الأموال القطرية إلى غزة، ننتظر سنوات من الهدوء». أمّا عاهد عمر، وهو عامل حصل قبل أيام على تصريح للعمل في الداخل المحتلّ، بعد انتظار دام أشهراً، فتساءل عن انعكاس فوز نتنياهو على سياسة التسهيلات الاقتصادية التي كانت شرعت فيها دولة الاحتلال عقب معركة «سيف القدس» عام 2021.
فصائليّاً، استبقت حركة «حماس» ظهور النتائج الأوّلية للانتخابات، باعتبارها أن أيّ حكومة قادمة هي نتاج مشروع صهيوني محتلّ، «لا يعوّل شعبنا» على نتاجاته في تَغيّر السياسة الإسرائيلية. وقال المتحدّث باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع: «نحن في حركة حماس لا نعوّل بالمطلق على أيّ حكومة قادمة ولا رئيس حكومة (...) كلّ وزراء وقادة الاحتلال هم قادة مجرمون وأيديهم ملطّخة بدماء شعبنا الفلسطيني، وليس أمام شعبنا من خيار أمثل وأنجع إلّا مقاومة هذا الاحتلال الصهيوني بكلّ مكوناته».
بدوره يرى الكاتب والمحلّل السياسي المقرّب من حركة «الجهاد الإسلامي»، حسن لافي، أن «نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي صدّرت معسكر المتطرّفين اليمينيين إلى واجهة المشهد الحكومي، تدلّل على أن المجتمع الإسرائيلي لا يحترم القانون ولا يهوى الملتزمين به، بل لديه دوماً عشق للوقاحة والإجرام، كانعكاس حقيقي للفكر والسلوك الصهيوني المجتمعي والسياسي المؤسِّس للكيان». ويضيف لافي أن «النتائج التي حصل فيها حزب شاس على 11 مقعداً تحت قيادة أرئييل درعي، وهو المجرم السابق الذي عاد إلى السياسة بعد خروجه من السجن، والمتَّهم حالياً بالتهرّب الضريبي وخيانة الأمانة، تُظهر إعجاب مجتمع الاحتلال باتّجاه العربدة والتفلّت الأخلاقي والقانوني». كذلك، يَلحظ الكاتب «تراجع شعبيّة الجيش داخل المجتمع الصهيوني»، عازياً إيّاه إلى «التحوّلات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية العميقة التي شهدها هذا المجتمع، والتي قدّمت التيار اللاعقلاني الديني الاستيطاني الغوغائي على حساب جنرالات الجيش الإسرائيلي السابقين ورؤساء أركانه، الذين كانوا سابقاً درّة تاج السياسة الإسرائيلية وأهمّ قادة حكومة الكيان».
من جهته، يَلفت الكاتب والمحلّل السياسي، إسماعيل محمد، إلى أن «مجمل مَن صدّرتهم نتائج الانتخابات الإسرائيلية، هم قيادات كتل دينية فوضوية ومتطرّفة، مِثل رئيس الكتلة الصهيونية الدينية بتسليئل سيموترتش وإيتمار بن غفير، وعند مقارنة هؤلاء بكتلة المعسكر الرسمي بقيادة بيني غانتس وغادي أيزنكوت، فإننا نستنتج أن المجتمع ذاهب إلى مزيد من اللاعقلانية». ويُعرب محمد، في حديثه إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «ما تعيشه إسرائيل اليوم، هو انقلاب سياسي شبيه بما حدث عام 1977، الذي صعد فيه حزب الليكود بزعامة مناحيم بيغين إلى رئاسة الحكومة، على حساب حزب العمل المؤسِّس، ما يعني أن الصهيونية الدينية الاستيطانية المتطرّفة انتقلت من هوامش المشروع الصهيوني إلى مركز قيادته». أمّا عن انعكاسات فوز نتنياهو على المشهد الميداني، فيرى المحلّل أن «التصعيد سيبقى سيد الموقف، والأمر مرتبط بطبيعة دولة الاحتلال، لا بشخص نتنياهو أو غيره»، مستدرِكاً بأن «الذي سيختلف هو إدارة التصعيد، فإذا كان قادة الاحتلال يعتقدون أن المقاومة تدير الصراع بشكل مناطقي، أي تدعم المقاومة في الضفة، وتحافظ على الهدوء في غزة لأسباب معيشية ولوجستية، فإن نتنياهو يمتلك من التمرّد والجرأة ما يدفعه إلى محاولة قلْب المشهد».