على رغم الصعوبات التي تعترض طريقه، يبدو أن بنيامين نتنياهو سيتمكّن من تشكيل حكومته خلال مدّة ستظلّ، ولو استطالت، «معقولة» مقارنةً بما شهده الكيان في السنوات الماضية، بعد أن يكون الرئيس المكلَّف قد حسم الخلاف حول توزيع الحقائب الوزارية، التي يبقى احتمال تسليم بعضها للوجوه المتطرّفة قائماً، على قاعدة «تميد يش باعام رشوناه» («دائماً هناك مرّة أولى»/ مثل عبري). على أن هذه المهمّة لا تبدو الشغل الشاغل الوحيد لنتنياهو، بل إلى جانبها أيضاً، مهمّة ترسيم حدود الجهاز القضائي، وصلاحيات «المحكمة العليا» والمستشار القضائي للحكومة وبقيّة الوزارات، بما يتساوق مع القوانين التي ستضْمن نجاته من مقصلة المحكمة. وهو يتقاطع في ذلك مع أحزاب «الصهيونية الدينية» التي تتطلّع إلى ممارسة تطرّفها وعنصريّتها ضدّ الفلسطينيين، من دون أيّ «عراقيل» قانونية. بعبارة أخرى، يتخلّص أحد التحدّيات الماثلة أمام نتنياهو، في إنتاج صيغة متوازنة تصبح فيها الهيئات القضائية قاصرة عن لجْم الحكومة عن اتّخاذ قرارات معينة مصيرية في بعض الأحيان.ولتحقيق ذلك، وبغضّ النظر عن وجود قوانين أساسية (ذات مكانة دستورية)، فإنه بالإمكان تبديل الصيغ القانونية والتعديل عليها بما يتلاءم مع تثبيت حُكم اليمين وممارساته، وهو ما لا يحتاج إلّا إلى أغلبية 61 نائباً، يتوافر معسكر نتنياهو على ما يزيدها بثلاثة. كما أنه ليس ثمّة ما يمكن أن يمنع الحكومة العتيدة من سنّ قوانين من قَبيل «التغلب»، الذي يَمنح في جوهره «الكنيست» مكانة أعلى من تلك التي تتمتّع بها «المحكمة العليا»، فيصبح في مقدور الأوّل سَنّ قوانين تعارضها الثانية. وإذا ما تَحقّق هذا السيناريو، فهو من شأنه توليد تحدّيات غير مسبوقة ليس إسرائيلياً وفلسطينياً وحسب، بل على المستويَين الإقليمي والدولي أيضاً؛ إذ على الرغم من أن أعلى هيئة قضائية في إسرائيل انحازت دوماً إلى «القيم الصهيونية العليا» المُدّعاة، إلّا أنها بالنسبة إلى تيّارات «الصهيونية الدينية» مثّلت دوماً عصا في دولاب المشروع الذي تتبنّاه الأخيرة، التي ما فتئت تتمدّد داخل المجتمع الإسرائيلي، وفق ما أظهرتْه نتائج الانتخابات الأخيرة.
في هذا الوقت، يتسلّم الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، اليوم، النتائج الرسمية من رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي يستحاق عميت، ليشرع مباشرة في المشاورات مع الكتل البرلمانية. وبحسب موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن هيرتسوغ يطمح إلى تشكيل حكومة خالية من «العناصر المتطرّفة» في الوزارات الحسّاسة، وضمّ رئيس الوزراء الانتقالي يائير لابيد، ووزير الأمن بيني غانتس إليها، وهو ما عادت ونفتْه مصادر من مقرّ الرئاسة.
وإذ أشار «واينت» إلى أن هيرتسوغ «تحدّث في الأيام الأخيرة مع نتنياهو ولابيد وغانتس لإقامة حكومة وحدة وطنية»، يتخلّى فيها الأوّل عن إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، فقد ردّت المصادر الرئاسية بأنه «خلافاً لِمَا ذُكر، الرئيس لم يطلب من رؤساء الكتل الانضمام إلى حكومة وحدة أو غيرها. مسار الاستشارات في بيت الرئيس يبدأ غداً (اليوم)، وبعد ذلك، يُشرع رسمياً في تشكيل الحكومة».
هيرتسوغ يطمح إلى تشكيل حكومة خالية من «العناصر المتطرّفة» في الوزارات الحسّاسة


وأيّاً تكن حقيقة الأمر، فإن مسار تشكيل «حكومة وحدة» لا يبدو ميسّراً؛ إذ كان لابيد أكد مطلع الأسبوع أنه «لن ينضمّ إلى حكومة برئاسة نتنياهو»، ومِثله فعل غانتس مباشرة عقب صدور نتائج الانتخابات. وفي المراسم الرسمية التي أقامها الرئيس وعقيلته ليئة ريفين، في «جبل هرتسل» في الذكرى الـ27 لمقتل إسحاق رابين، قال لبيد إن: «الحكومة التي أقف على رأسها خسرت في الانتخابات. مَن يؤمن بالديموقراطية الإسرائيلية عندما ينتصر، عليه أن يؤمن بها أيضاً عندما يخسر. ليس هناك احتمال لمشاركتنا في الحكومة الجديدة». أمّا غانتس فقد التقى مع شريكيَه في «المعسكر الوطني»، وزير القضاء جدعون ساعر، والرئيس السابق لهيئة الأركان غادي آيزنكوت، ليعلنوا أنهم سيكونون «في صفّ المعارضة»، لافتين إلى أنه «تَمثُل في وجه دولة إسرائيل تحدّيات جسيمة ستضطرّ الحكومة العتيدة لمواجهتها في ظلّ عناصر متطرفة»، مضيفين «(أنّنا) قررنا المضي قُدُماً في مأسسة المعسكر الوطني كحركة مهمّة وأساسية في مركز الجبهة السياسية الإسرائيلية». أمّا نتنياهو، فقد وعد في حينه بـ«إنشاء حكومة قومية تعبأ بأمر بالجميع»، قبل أن يبدأ في اليومَين الماضيَين جولة لقاءات تحت عنوان «تصحيح الخطأ»، حيث اجتمع برؤساء الكتل في معسكره، يتحساق غولدكنوفيف، موشيه غفني، سموترتش وبن غفير.
إلى ذلك، كشفت «كان 11» العبرية عن قطيعة بين لابيد وغانتس على خلفيّة نتائج الانتخابات؛ إذ يحمّل كلّ منهما الآخر المسؤولية عن الهزيمة التي مُني بها معسكرهما، ولا سيما بعد فشل حزب «ميرتس»، لأوّل مرّة منذ 30 عاماً، في تجاوُز نسبة الحسم. ويُتّهم لابيد بأنه «استغلّ موارد ليست بحوزته بهدف زيادة حجم حزبه "هناك مستقبل" على مستوى المقاعد البرلمانية»، الأمر الذي «أضرّ بالحزبَين اليساريَّين، ميرتس الذي بات خارجاً، والعمل الذي بشقّ الأنفس حصّل 4 مقاعد». وكان لابيد رفض اقتراح قانون قدّمه عضو «الكنيست» من حزب «ميرتس»، موسي راز، لتخفيض نسبة الحسم من 3.25% إلى 2%، فيما وافق على ذلك غانتس، ورئيس «الموحّدة» منصور عباس.
في المحصّلة، تَداعى بلا شك هيكل «التغيرييين» بقيادة لابيد - غانتس، فيما اشتدّت دعائم التيّار الديني الصهيوني الذي تمكّن من إعادة نتنياهو إلى الحكم، ولكنّ العودة «الميمونة» ليست العَمود الأساس في «الهيكل الثالث»، بل الكيفية التي سيَحكم بها نتنياهو في ظلّ ظروف مغايرة ومعقّدة من هذا النوع.