موسكو | انتشرت صور من العاصمة الأوكرانية كييف، يحيط بها الظلام نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، والذي تسبّبت به الضربات الصاروخية الروسية. حال كييف هذا، يسري على مدن أوكرانية أخرى، حيث تعمل السلطات المحليّة على استعادة التيار الكهربائي، بعدما شُلَّت الحركة بشكل شبه كامل في البلاد. وفي دلالة على خطورة الوضع، لم يَستبعد عمدة كييف، فيتالي كليتشكو، في تصريح لصحيفة «بيلد» الألمانية، احتمال إجلاء جزء من سكان العاصمة في الشتاء، في ما لو بقيت مشكلة الكهرباء على حالها. وكانت موسكو زادت من حدّة هجماتها على البنية التحتية الأوكرانية، منذ استهداف جسر القرم، وسفن تابعة لها في البحر الأسود، إذ تقول إنها تأتي ردّاً على «عمليات إرهابية» يقوم بها النظام الأوكراني، وعلى ضخ الأسلحة الغربية إليها، وفق ما صرّح به مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا.وأشارت التوقعات إلى احتمال لجوء روسيا، مع حلول فصل الشتاء، إلى تكثيف هجماتها على البنية التحتية الأوكرانية، لشَلّ قدرة كييف على مواجهة البرد القارس، وتالياً إجبار رئيسها، فولوديمير زيلينسكي، على خيارات صعبة، تبدأ بالعودة إلى طاولة المفاوضات. ولروسيا مع الشتاء ذكريات جيّدة في الحروب التي خاضتْها على مرّ تاريخها، حيث تدخل «الجنرال الشتاء» أربع مرات لمصلحتها، ضدّ المغول أوّلاً، ثم ضدّ السويديين والفرنسيين، وأخيراً ضدّ الألمان في الحرب العالمية الثانية، وفق صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، فيما تأمل موسكو في تحقيق نصر على كييف هذا الشتاء أيضاً.
أطلقت روسيا حوالى 170 صاروخاً على منشآت البنية التحتية للطاقة في تشرين الثاني


ومع اقتراب البرد القارس، نفّذت روسيا هجومَين هائلَين في تشرين الأوّل الماضي، بفاصل ثلاثة أسابيع بينهما، حيث أَطلقت، في الـ10 منه، نحو 90 صاروخاً، وفي الـ31، نحو 50 صاروخاً على البنية التحتية الحيوية. وخلال الشهر الجاري فقط، أطلقت يومَي الـ15 والـ23، ما يقرب من 170 صاروخاً على منشآت البنية التحتية للطاقة. ونتج من هذا القصف، وفق خبراء روس، تعطُّل القدرات الأوكرانية، إذ أشار النائب في مجلس الدوما، أندريه غوروليف، إلى أن «القوات الأوكرانية، والدولة نفسها، تعانيان من مشكلات كبيرة في ضمان قدرتهما على البقاء»، مبيّناً أن «الهدف الرئيس من الهجمات على البنية التحتية الحيوية للعدو، هو وقف صناعاته العسكرية. هذه المهمّة قد اكتملت الآن». من جهته، قال الخبير العسكري، رومان ناسونوف، إن الضربات الروسية تهدف إلى «قطْع إمداد القوات المسلّحة الأوكرانية من الاحتياطيات والأسلحة، وحرمانها تالياً من الدعم التكنولوجي والاستخباري، كما من القدرة على استخدام الحرب الإلكترونية». ولفت ناسونوف إلى أن «مهمّة الجيش الروسي لا تكمن في تدمير البنية التحتية الأوكرانية بالكامل»، مستدركاً بالقول إنه «سيكفي موسكو أن تقوم بضربتَين أو ثلاث قويّة أخرى لتحقيق الهدف». وفي هذا الإطار أيضاً، لفت الخبير العسكري، يوري كنوتوف، إلى أن الضربات الصاروخية الروسية تهدف إلى «تعطيل نظام الطاقة في البلاد، بحيث تفقد مؤسّسات إنتاج المعدات العسكرية وشركات إصلاح الأسلحة القدرة على العمل؛ وإلى قطْع الكهرباء عن المعسكرات ومراكز التدريب، حيث يقوم مدرّبون من الناتو بتدريب العسكريين الأوكرانيين». وبيّن كنوتوف، في تصريح لصحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، أنه «يجري تنفيذ الضربات من أجل شلّ البنية التحتية للنقل في البلاد، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى انخفاض في وتيرة هجمات القوات المسلّحة الأوكرانية في الجبهة»، مشيراً إلى أنه إذا ما واصلت روسيا استهداف البنية التحتية الأوكرانية، «فعندئذ سيتوقّف، في رأيي، ما يصل إلى 70% من قدرات الطاقة عن العمل في كانون الثاني، ما يعني انهياراً شاملاً للاقتصاد الأوكراني»، سيجعل نظام كييف «أكثر قابلية للحوار، وسيجبره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات»، وفق الخبير نفسه.
وأمام شدّة القصف الصاروخي الروسي، برز سؤال حول قدرة موسكو على مواصلة النهج نفسه، في ظلّ الحديث عن بدء نفاد مخازنها. وقال الناطق باسم القوات الجوية الأوكرانية، يوري إيغنات، إن «روسيا لا تستطيع، من الناحية الفنية، شنّ هجمات صاروخية ضخمة كل يوم، لأن تكديس الصواريخ يستغرق وقتاً». وهو ما أكده الخبير العسكري، ألكسندر كوفالينكو، الذي قال إن الجيش الروسي يحتاج إلى حوالى أسبوعين لتكديس حمولة ذخيرة جديدة قادرة على التغلّب على نظام الدفاع الجوي الأوكراني. ولفت إلى أنه «من أجل اختراق الدفاع الجوي الأوكراني، هناك حاجة إلى كميّة مناسبة من الأسلحة الصاروخية لتشتيت انتباه أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات وإطلاقها مباشرة».