تجتاح كوبا، منذ أشهر، موجاتٌ واسعة من انقطاع التيار الكهربائي، في مظهرٍ جديد من مظاهر الأزمة المتعمّقة في البلاد جرّاء استمرار الحصار الأميركي عليها. وإذ يتمثّل السبب المباشر لهذا الانقطاع المتكرّر في تعطُّل محطّات الطاقة القديمة، وارتفاع تكاليف الوقود من جرّاء تحليق الأسعار العالمية، فإن الجزيرة تُواجه، بالأساس، صعوبات في إنتاج الطاقة بسبب ضعف البنية التحتية وسوء صيانتها، بما في ذلك محطات الطاقة الحرارية التي تعمل منذ أكثر من 30 عاماً، ولا تخضع للتجديد اللازم، بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن على هافانا، وتمنعها بموجبها من شراء قطع غيار، وهو ما قلّص إنتاج كوبا إلى أقلّ من ربع احتياجاتها من الوقود؛ إذ لم تنتج في حزيران الماضي سوى 32 ألف برميل من النفط الخام يومياً، متراجِعةً عن 49 ألف برميل يومياً عام 2015. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن فنزويلا التي كانت المزوّد الرئيس للجزيرة في مجال النفط بموجب «اتّفاقية الطاقة» المُوقَّعة بينهما عام 2000، لم تَعُد قادرة على الاستمرار في وتيرة التوريد نفسها بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي ضربتْها، الأمر الذي انعكس انخفاضاً مطّرداً في كمّية الصادرات إلى كوبا في السنوات العشر الأخيرة. ووفق تقرير صادر عن معهد «بروكينغز» الأميركي، فإن الجزيرة «تلقّت أكثر من 100 ألف برميل يومياً من فنزويلا عام 2011، و55 ألف برميل يومياً في عام 2012، وصولاً إلى 32 ألف برميل يومياً عام 2019»، وهو رقمٌ يظلّ ضئيلاً بالنسبة إلى استهلاك الجزيرة الذي يبلغ حوالى 172 ألف برميل يومياً، بحسب ما يَذكر موقع «إدارة معلومات الطاقة الأميركية».في خضمّ هذه الأزمة، وفي مسعًى منه للتخفيف من وطأتها، ارتأى الرئيس الكوبي، ميغيل دياز كانيل، القيام بجولة على دول «صديقة»، وُصفت بـ«المُلحّة بقدر ما هي استراتيجية»، بحثاً عن حلول لأزمة الطاقة أولاً، ولإعادة تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد ثانياً؛ وهي جولة آتت، وفق ما أُعلن في الحدّ الأدنى، نتائج طيّبة. ففي الجزائر، محطّته الأولى، حصل الرئيس الكوبي من نظيره عبد المجيد تبون، على التزام بإلغاء جميع الفوائد المستحَقّة على ديون كوبا، إضافة إلى عرْض بإنشاء محطّة للطاقة الشمسية للتخفيف من آثار انقطاع التيّار الكهربائي المستمرّ. أمّا في موسكو، فقد بحث دياز كانيل مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، تعميق التعاون الثنائي على الصعد كافة بما فيها الطاقة، علماً أن روسيا كانت إحدى أبرز الدول التي قدّمت مساعدة نفطية لكوبا في الفترة السابقة؛ إذ كانت قد شحنت خلال شهر حزيران الماضي وحده، حوالى 700 ألف برميل من النفط الخام إلى الجزيرة، وفقاً لما نقلته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن بيانات نشرتْها شركة «Rystad Energy»، التي توقّعت، بدورها، مزيداً من هذه الشحنات مستقبلاً. كذلك، أعلن دياز كانيل، بعد افتتاحه مع بوتين تمثالاً للرئيس الراحل فيدل كاسترو، أن «كوبا مستعدّة لاحترام الالتزامات المالية التي تتحمّلها مع روسيا»، في إشارة منه إلى منْح موسكو، هافانا، بين عامَي 2006 و2019، قروضاً بقيمة 2.3 مليار دولار لتمويل مشاريع في مجالات الطاقة والصناعة المعدنية والنقل، قبل أن تُوقف الثانية سداد التزاماتها بموجب هذه القروض منذ انتشار وباء «كورونا»، ويعمد البرلمان الروسي، عقب ذلك، في شباط الماضي، إلى تمديد آجال الاستحقاق حتى عام 2027. وليست روسيا هي الدولة الوحيدة التي ساعدت كوبا في هذا المجال، إذ إن الصين أيضاً كانت قد تنازلت عن 6 مليارات دولار من الديون الكوبية كجزء من إعادة هيكلة كبيرة في عام 2011. كما أن الدول الدائنة في «نادي باريس» وافقت، هي الأخرى، على تأجيل سداد ديون الجزيرة لعام 2021 إلى العام الحالي.
وبعد روسيا، تَوجّه دياز كانيل إلى أنقرة، حيث أبرم اتّفاقات مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، لزيادة حجم التجارة بين البلدَين إلى 200 مليون دولار، فيما بدا لافتاً تزامُن الزيارة مع وصول محطّة الطاقة العائمة السابعة التي بنتْها شركة «كارادينيز» التركية القابضة إلى خليج هافانا، علماً أن هذه المحطّة لديها القدرة على إضافة حوالى 110 ميغاوات إلى النظام الكهربائي الوطني، في ما يؤشّر إلى نيّة أنقرة تعزيز دعمها لهافانا. أمّا اختتام الجولة الكوبية، فكان في بكين، التي غادرها دياز كانيل بعد يومَين من المباحثات مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، ومعه هِبة قيمتها 100 مليون دولار أميركي. ووصفت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، في افتتاحيتها أوّل من أمس، زيارة الرئيس الكوبي بأنها «تعميق للصداقة بين الدولتَين»، اللتَين تتعرّض كلتاهما لضغوط أميركية، وهو ما يحضّهما على رفْع مستوى التعاون، ولا سيما في مجالَي الطاقة والتجارة. وتُعدّ الصين أكبر شريك تجاري لكوبا، وهي قدّمت لها دعماً متعدّد الأوجه، خصوصاً خلال أزمة «كورونا» وأزمة الطاقة الحالية؛ إذ بعثت إليها بشحنة أنظمة توليد الطاقة الكهروضوئية في أيار الماضي. ووفقاً للصحيفة الصينية، فإنه بحلول عام 2030، ستنتج الجزيرة 37% من إمدادات الطاقة من المصادر المتجدّدة، وهو ما سيكون للصين فيه «دور محوري».