أوّلاً: لا تملك إسرائيل خياراً عسكرياً ذاتياً ضدّ المشروع النووي الإيراني، وهو أهمّ قيد حال حتى الآن دون مغامرة بهذا الحجم، وألجأ تل أبيب إلى العمليات الأمنية التي ثبت بالتجربة أنها كانت محدودة التأثير، ونجحت طهران إزاءها في تحصين برنامجها النووي الذي بلغ ما بلغ من التطوّر والتراكم.
ثانياً: حتى مع توفّر الخيار العسكري مستقبلاً، وهو موضع شكّ كبير، سيكون على إسرائيل أن تُوازن بين الفعل وتبِعاته اللاحقة، وعلى رأسها الانجرار إلى مواجهة مع المحور الذي تقوده إيران. كذلك، عليها أن تُوازن بين جدوى الخيار وانعكاساته على حلفائها، وفي المقدّمة الولايات المتحدة، التي سيكون عليها مع أتباعها تلقّي التداعيات.
لا تملك إسرائيل خياراً عسكرياً ذاتياً ضدّ المشروع النووي الإيراني
ثالثاً: لم يَعُد المشروع النووي الإيراني في مستوى يمكن إنهاؤه عبر خيار عسكري، كما هو الحال مع المشروع النووي العراقي في ثمانينيات القرن الماضي، وكذلك ما قيل عن المفاعل النووي السوري عام 2007، إذ نجحت إيران في تحصينه وتوطينه، حتى بات جزءاً من الحياة العلمية فيها، ووزّعت منشآته على مساحات واسعة، ونزلت بالعديد منها إلى ما تحت الجبال وفي أعماق الأرض، كما عزّزت قدراتها الدفاعية والهجومية وتحالفاتها الإقليمية.
رابعاً: الأشدّ خطورة ممّا تَقدّم، أن إيران استطاعت فرْض معادلة أصبح من الواضح أنها تَحضر لدى جهات التقدير والقرار في كيان العدو، عنوانها أن الإضرار بمشروعها النووي سيُقابَل باقترابها أكثر من القدرة النووية العسكرية، وهو ما حذّرت منه الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تقديرها السنوي لعام 2023، مؤكّدة أن «إيران لن تغيّر سياستها إلّا إذا تمّ اتّخاذ إجراءات متطرّفة ضدّها، وهي ستَرفع درجة التخصيب عندها إلى 90%، وعلى إسرائيل أن تستعدّ لذلك من حيث أساليب العمل السياسية والعسكرية حتى لا تُفاجأ» (إسرائيل اليوم، 27/12/2022).
وعليه، ما الذي يَدفع إسرائيل إلى الإصرار على التهديد؟ الراجح أنه لا يمكن لتل أبيب أن تقرّ لطهران بالغلبة نووياً، أو بالفشل في الحؤول دون حيازة عدوّها هكذا قدرات، على رغم أن تصريحات غانتس تَكشف أن الاستراتيجية الإسرائيلية - الأميركية قد فشلت بالفعل في منْع الجمهورية الإسلامية من التموضع كدولة حافة نووية، وهو ما دفع رئيس الاستخبارات العسكرية السابقة، اللواء تامير هايمن، إلى المطالبة بمناقشة الاستراتيجية التي تمّ اتّباعها وأوصلت الأمور الى حيث وصلت الآن. كذلك، يعكس حديث وزير الأمن السابق حجم المخاوف الإسرائيلية من المرحلة التي بلغها التطوّر الإيراني في الميادين كافة، ومحدودية خيارات تل أبيب إزاء هذا التطوّر، وما يستتبعه من مخاطر على مستقبل الكيان العبري وأمنه القومي في المرحلة المقبلة. على أنه لا ينبغي تجاهُل حقيقة أن غانتس تعمّد أيضاً أن يُسجِّل، على أبواب تسلّم بنيامين نتنياهو السلطة، أن الموقف من الخطر الإيراني ليس قضية خلافية في إسرائيل، وأن راية مواجهته ليست حكراً على نتنياهو الذي يحاول أن يُقدّم نفسه بهذه الصورة.