لندن | لم يُضيّع الجنرال بيتر بافيل، رئيس جمهورية التشيك المنتَخب، والذي يتولّى مهامّ منصبه الشهر المقبل، كثيراً من الوقت لتقديم أوراق اعتماده إلى واشنطن وبروكسل، فأصبح أوّل رئيس أوروبي منتخَب يقدِم على التواصل مع زعماء تايوان، حتى قبل انطلاق عهده، حتى أنه انتقد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، وأشاد بقرار بعض دول «حلف شمال الأطلسي» إرسال دبّابات هجومية إلى أوكرانيا. واستطاع بافيل (61 عاماً)، قائد «الناتو» المتقاعد، التغلّب بشكل مريح على مرشّح مدعوم من خصمه، الرئيس المنتهية ولايته، ميلوش زيمان، بفعل تبنّيه برنامجاً أطلسيّ النزعة، مؤيّداً بلا تحفّظ للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وما هي إلّا أيّام قليلة بعد فوزه، حتّى اتصل بافيل برئيسة تايوان، تساي إنغ وين، ليبلغها استعداده للقائها في مرحلة ما في المستقبل، وبأنه يرغب في «بناء علاقات أقوى مع تايوان». وقال لها: «إن تايوان هي بلا شكّ قوّة عالميّة عظمى في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية»، مشيراً إلى رحلة يعتزم رئيس مجلس النواب التشيكي القيام بها إلى تايبيه الشهر المقبل، متوقّعاً أن تجلب «بعض الأفكار الجديدة حول كيفية توسيع آفاق التعاون بيننا». وأضاف بافيل أن «هنالك بالتأكيد درساً ينبغي تعلُّمه من فشل بكين في كبْح جماح موسكو في ما يتعلّق بغزوها لأوكرانيا». و«ممّا لا شك فيه أن الصين حصلت على فرصة سانحة ليكون لها صوت قوي في التأثير على القرارات الروسية، لكنها فشلت في اغتنام هذه الفرصة... لقد اختاروا أن يبقوا بعيداً». وجاءت مكالمة بافيل الهاتفية مع تساي في أعقاب هجوم مفاجئ شنّه على بكين، متعهّداً بمواجهة ما اعتبره «مفاهيم خاطئة خطيرة عن الصين»، التي يجادل بأنها كُشفت بسبب عدم رغبتها في إدانة غزو روسيا لأوكرانيا. وقال «الجنرال»، في مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز» الصادرة في لندن: «هذا ما يجب أن نكون واضحين في شأنه: الصين، بنظامها الحالي، ليست دولة صديقة في هذه اللحظة، ولا تتوافق مع الديموقراطيات الغربية في أهدافها ومبادئها الاستراتيجية. هذه ببساطة حقيقة يجب أن نعترف بها»، مؤكداً أن بلاده «لن تتصرّف بعد الآن كنعامة وتتجاهل هذا الواقع». وتتناغم هذه المواقف الفاقعة وغير المسبوقة لزعيم تشيكي، مع توجّهات الولايات المتحدة إزاء الصين، والتي وضعتْها واشنطن في مصاف «الخطر الاستراتيجي الأساس» الذي يتهدّد مصالحها.
دعت بكين، براغ، إلى تغيير مسارها لتجنّب «أضرار لا يمكن إصلاحها في العلاقات الثنائية»


وردّاً على هذه التصريحات، دعت بكين، براغ إلى تغيير مسارها لتجنّب «أضرار لا يمكن إصلاحها في العلاقات الثنائية». ونقلت الصحف الصينية عن مسؤول بارز في «الخارجية»، قوله إن الرئيس التشيكي المنتخَب «تجاهَل محاولات الصين المتكرّرة لثنيه»، و«أصرّ على تجاوُز الخطوط الحمر للصين». وعادةً ما تتّخذ هذه الأخيرة مواقف صارمة إزاء الدول التي تتعامل مع تايوان بوصفها دولة مستقلّة. وكانت فرضت، أخيراً، على ليتوانيا عقوبات بسبب موقفها المؤيّد للحكومة الانفصالية في تايبيه، ما أثار أزمة مع الأوروبيين استدعت تقديم شكوى ضدّ بكين إلى «منظّمة التجارة العالمية». لكن بافيل قلّل من مخاطر مبادرته تجاه تايوان، معتبراً أنها «لا يجب أن تؤثّر على العلاقات بين جمهورية التشيك والصين». ويبدو أن الرئيس المنتخَب، الذي شغل منصب رئيس اللجنة العسكرية لـ«حلف شمال الأطلسي» بين عامَي 2015 و2018، يعتزم تنفيذ انقلاب شامل في نهج السياسة الخارجية للرئيس ميلوش زيمان، الذي احتفظ بعلاقات ودّية مع روسيا، وأشاد بكيفية «استقرار» الصين وتقدّمها المطّرد. وكان زيمان، الذي انتُخب للمرّة الأولى عام 2013، وجدَّد له التشيكيون عام 2018، قد ضغط طوال فترتَي ولايتَيه لتصبح براغ «بوّابة الصين إلى أوروبا»، على رغم أن ذلك لم يتحوّل بالضرورة إلى مشاريع فعليّة على الأرض لأسباب مختلفة. ومع أنه اضطرّ للاصطفاف وراء واشنطن وبروكسل بعد انطلاق الحرب في أوكرانيا، إلّا أن ولاءه ظلّ دائماً موضع شكّ لدى الحلفاء الغربيين، ولا سيما وأنه لم يُظهر حماساً ملحوظاً لدعم نظام كييف.
ونجح بافيل، الذي يخوض غمار السياسة لأوّل مرّة بعد خدمة طويلة في الجيش، في استقطاب تأييد غالبية التشيكيين في الانتخابات الرئاسية، وهزَم الملياردير أندريه بابيش، رئيس الوزراء السابق المدعوم من زيمان، بعد جولة الإعادة، حاصداً أكثر من 58% من مجموع الأصوات، في انتخابات شهدت مشاركة لافتة تجاوزت الـ70% من الناخبين. ومع ذلك، فإن سلطات الرئيس التنفيذية محدودة نسبياً في النظام السياسي التشيكي لمصلحة رئيس وزراء يكلَّف بناء على انتخابات عامّة، ومن دون توافُق صاحبَي المنصبَين، لا يمكن أحدهما منفرداً تغيير الكثير.
وبعد هجومه على الصين، استكمل بافيل إعلاناته حول معالم السياسة الخارجية التي سيعتمدها لبلاده عبر الدعوة إلى تعظيم سياسة تسليح «الناتو» للجيش الأوكراني، وتوجيه انتقادات قاسية إلى نظام الرئيس فيكتور أوربان في المجر - الذي يتّهمه الغرب بمحاولة الإبقاء على القنوات مفتوحة مع موسكو ومعارضة بعض سياسات الاتحاد الأوروبي -. وأشاد بقرار عدد من دول «الناتو» تسليم دبابات هجوميّة غربية إلى نظام كييف، وتوقّع وصول بعضها سريعاً خلال الأسابيع القليلة المقبلة، آملاً في أن يفتح ذلك الباب أمام نظر الحلف في مسألة تزويد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة غربية الصنع. وأعرب «الجنرال» عن مخاوفه ممّا سمّاه «تمركز السلطات في قبضة أوربان والقيود التي يفرضها على أصحاب الآراء المغايرة».