طهران | يبدأ الاجتماع الدوري لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أعماله، اليوم الاثنين، والذي ستتأثّر نتائجه بالزيارة التي قام بها المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، إلى طهران، والتي أفضت إلى اتّفاق الجانبَين على تحديد خريطة طريق لمعالجة الخلافات العالقة بينهما. وكان غروسي التقى في العاصمة الإيرانية، السبت، كلّاً من رئيس «مؤسّسة الطاقة الذرية الإيرانية» محمد إسلامي، والرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان. وجاءت الزيارة في وقت يتزايد التصعيد على خلفية البرنامج النووي الإيراني، والإعلان عن اكتشاف آثار لتخصيب اليورانيوم بنسبة 84% في منشأة «فوردو» النووية، وهي النسبة القريبة جدّاً من الكميّة اللازمة لتصنيع قنبلة ذرية.وعلى مدى السنة الماضية، اتّسع نطاق الخلافات بين إيران والهيئة الأممية، ما أدّى إلى تبنّي مجلس المحافظين، في اجتماعاته السابقة، ثلاثة قرارات ضدّ الجمهورية الإسلامية. وتدور الخلافات بين الجانبَين حول محورَين: التعاون في مجال «اتّفاقات الضمانات»، وما بعد «اتّفاقات الضمانات». ففي مجال «اتّفاقات الضمانات»، يتمثّل الملفّ موضع الخلاف في اكتشاف آثار يورانيوم في ثلاثة مواقع إيرانية غير معلَنة، فيما لم تقتنع الوكالة، حتى الآن، بالإجابات التي قدّمتها الجمهورية الإسلامية في هذا الخصوص. لكن يبدو أن ثمّة اتّفاقات حصلت لطيّ هذا الملفّ خلال زيارة غروسي. وبناء على البيان المشترك الصادر عن الجانبَين، فإن «إيران أعلنت جاهزيتها لمواصلة التعاون وتقديم المعطيات والمزيد من الوصول إلى هذه المواقع».
أمّا الخلاف في شأن ما بعد «اتّفاقات الضمانات»، فيعود إلى إقدام إيران على خفْض التزاماتها المنصوص عليها بموجب الاتّفاق النووي المبرم عام 2015، بعد الانسحاب الأميركي من الصفقة، حين ردّت طهران بسلسلة إجراءات تحلّلت بموجبها من القيود الواردة في «خطّة العمل الشاملة المشتركة»، فرفعت مستوى التخصيب من 3.5%، إلى 60%، وأوقفت العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يتضمّن مراقبة ما بعد «اتّفاقات الضمانات» على برنامجها النووي، وقامت في هذا الإطار بتعطيل العديد من كاميرات المراقبة التي ركّبتها الوكالة. وعلى مدى الأيام الأخيرة، أثارت الأخبار والتقارير التي تحدّثت عن وجود جزيئات يورانيوم مخصّب بنسبة 84% في منشأة «فوردو»، الكثير من اللغط، مع أن إيران قالت إن هذه النسبة من التخصيب حصلت بشكل «عرضي وغير مقصود».
وأسفرت زيارة غروسي إلى طهران، عن اتّفاقات في مجال توسيع نطاق عمليات الوكالة الدولية للمراقبة، إذ ينصّ البيان المشترك على أن الجمهورية الإسلامية «تسمح للوكالة بصورة طوعية أن تمارِس أنشطة التحقُّق والمزيد من المراقبة». وليس واضحاً بعد ما إذا كان القصد من «المزيد من المراقبة»، تطبيق البروتوكول الإضافي والمراقبة ما بعد «اتّفاقات الضمانات»، أم عمليّات المراقبة العادية المعمول بها في إطار «اتّفاقات الضمانات»، والتي من المقرّر أن تُنجَز بمزيد من الدقّة. ويبدو واضحاً أن إيران والوكالة توصّلتا، خلال زيارة غروسي، إلى الاتّفاق على آليات لتسوية خلافاتهما، ما من شأنه أن يسهم إلى حدٍّ كبير في خفض التوتّر في العلاقات، وأن يحول على الأرجح دون استصدار قرار جديد في الاجتماع المقبل لمجلس المحافظين.
وفيما أبدت بعض الصحف الإيرانية تفاؤلاً، كانت صحف أخرى متشائمة إزاء نتائج زيارة غروسي. ورأت صحيفة «اعتماد» الإصلاحية، أن «الوكالة الدولية ستحلّ الجمود المخيّم على المفاوضات بين إيران والدول الغربية في الدقيقة الـ90»، كما ذهبت «خراسان» إلى القول إن «العلاقة بين إيران والوكالة دخلت منعطفاً جديداً». أمّا الصحف الأصوليّة، وعلى رأسها «كيهان» و«جوان» المقربّتَين من «الحرس الثوري»، فحذّرتا إيران من التعامل مع غروسي وتقديم أيّ معلومات ذات شأن له أو لمفتّشي الوكالة، لأنها «ستُسلم بكلّ حذافيرها إلى إسرائيل، لتستخدمها في ضرْب البرنامج النووي الإيراني وقتل علمائها النوويين».
ويشكّل استمرار الخلافات بين طهران و«الذرية» إحدى العقبات الجادّة التي تعترض طريق محادثات إحياء الاتّفاق النووي، على رغم أن تسوية هذه الخلافات لا تعني ظهور آفاق واعدة للإحياء المبكر للاتّفاق. وقد توقّفت المحادثات على مدى ستّة أشهر، برزت في خلالها قضيّة بيع إيران مسيّرات لروسيا لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، إضافة إلى الاضطرابات الداخلية، فيما أدّى كلاهما إلى فرْض عقوبات جديدة على طهران، وزادا من حدّة التوتّرات القائمة أصلاً بين هذه الأخيرة والغرب. وعلى الرغم من أن عودة العقوبات، خلال السنوات الأخيرة، أرخت ضغوطاً اقتصادية هائلة على إيران، لكن البرنامج النووي تقدم بخطى أسرع نحو الأمام. وحتى أن أعمال التخريب المنسوبة إلى إسرائيل، لم تتمكّن عمليّاً من الحدّ من تطوير البرنامج النووي الإيراني. وإذا كانت طهران أعلنت أنها لا تنوي صنْع سلاح ذرّي، يبدو أنها تسعى لإيصال نفسها إلى مستوى يمكنها من تصنيع هذا السلاح، لكي تستخدمه كأداة ردع تجاه الغرب أو أداة ضغط لتقليص أثر الضغوط والعقوبات. وتتخوّف الدول الغربية من انخفاض العتبة النووية الإيرانية لتصنيع السلاح النووي؛ فخلال الأسبوع الماضي، زعم وكيل وزير الدفاع الأميركي للشؤون السياسية، كولين كال، أن العتبة النووية الإيرانية كانت 12 شهراً إبّان تنفيذ الاتفاق النووي، لكنها بلغت اليوم 12 يوماً. وعليه، فإن الكثير من المراقبين يذهبون إلى القول إن المسؤولين الغربيين قد خاب أملهم في أن تشكّل عمليات المراقبة للوكالة الدولية، عامل ردع أمام سرعة البرنامج النووي الإيراني، وباتوا يفكّرون بخيارات بديلة، بما فيها العمل العسكري.
تكثّفت اللقاءات والمشاورات بين السلطات الإسرائيلية والأميركية في ما يخصّ البرنامج النووي الإيراني


وقد تكثّفت، خلال الأسابيع الأخيرة، اللقاءات والمشاورات بين السلطات الإسرائيلية والأميركية في ما يخصّ البرنامج النووي الإيراني. وقام رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، بزيارة إلى فلسطين المحتلّة لم يعلَن عنها مسبقاً، يوم الجمعة، لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين حول إيران وسائر القضايا الأمنية. ولم يدلِ ميلي بأيّ تصريح علني، بل إن متحدّثاً باسمه قال إن الجنرال أجرى محادثات مع نظيره الإسرائيلي، موشيه ليفي، تناولت قضايا الأمن في المنطقة و«التنسيق للدفاع مقابل أيّ تهديدات صادرة عن إيران»، فيما أفادت وزارة الأمن الإسرائيلية، في بيان، بأن الطرفَين ناقشا سبل التعاون «لمنع إيران من اقتناء السلاح النووي». ومن المقرّر أيضاً أن يقوم وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، قريباً بجولة في الشرق الأوسط تقوده إلى كلّ من الأردن وإسرائيل ومصر. وتتابع سلطات «البنتاغون» مسألة التنسيق مع نظيراتها في إسرائيل والدول العربية حول استراتيجية إقليمية مشتركة في شأن إيران. وذكر موقع «أكسيوس» أن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون درمر، ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، سيزوران واشنطن خلال الأسبوع الجاري.