طهران | شهدت الأيام والأسابيع الأخيرة سلسلة لقاءات على مستوى المسؤولين الأمنيين والعسكريين الأميركيين والإسرائيليين، أحدثُها الزيارة التي قام بها وفد أمني إسرائيلي رفيع، برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية، رون درمر، ومستشار الأمن القومي، تساحي هنغبي، إلى واشنطن، حيث التقيا كبار مسؤولي الولايات المتحدة، بمَن فيهم مستشار الأمن القومي، جايك سوليفان. وخلال الأسبوع الماضي أيضاً، قام رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، بزيارة لم يُعلَن عنها مسبقاً إلى فلسطين المحتلّة، فيما تصدّرت إيران وضرورة التصدّي لها، ولا سيما لبرنامجها النووي، أجندة جميع هذه اللقاءات. وعلى رغم أن الجمهورية الإسلامية تتعرّض، على الدوام، لتهديدات من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، بيدَ أن السؤال الذي يُطرح الآن، يدور حول ما إذا كانت التحرّكات الأمنية الجديدة لكلّ من واشنطن وتل أبيب، تعني بالضرورة استعدادهما للقيام بعمل عسكري ضدّ طهران، كما حول الاستراتيجية التي تعتمدها الأخيرة لمواجهة تلك التحرّكات.وفي هذا المجال، يرى الباحث في «مؤسّسة دراسات الشرق الأوسط» في جامعة «جورج واشنطن»، سينا عضدي، أن تكثيف التعاون الأمني بين واشنطن وتل أبيب «لا يعني جهوزيّتهما لشنّ عمل عسكري، بل هو يصبّ في الغالب في خانة توجيه رسالة تحذير إلى إيران، بهدف ردْعها عن التحرّك في اتّجاه تصنيع سلاح نووي». ويقول عضدي، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «أميركا وإسرائيل تتبادلان على الدوام المعطيات المتّصلة بإيران وكيفيّة التعاطي معها. إنهما تريدان تحذيرها من أنه إذا أقدمت على التحرّك في اتّجاه صنْع سلاح نووي، فستكونان على استعداد لاستخدام القوّة. كما أن المناورات الأخيرة، نُفّذت لهذا الغرض». ويضيف إنه «طالما أن العلاقات بين إيران و"الوكالة الدولية للطاقة الذرّية" قائمة، ويتمّ تنفيذ عمليّات التفتيش، فإن أميركا لن تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لمهاجمة إيران، وقد يكون أحد الأهداف الأميركية من التعاطي الأخير مع السلطات الإسرائيلية هو الحيلولة دون قيام تل أبيب بأيّ عمل عسكري غير منسّق يمكن أن يتسبّب بمشاكل للولايات المتحدة، وأن يجلب لها المتاعب». وبحسب الباحث نفسه، فإنّ الدولة العبرية، على رغم امتلاكها قوّة عسكرية هائلة، «لا تزال بحاجة إلى المساعدات اللوجستية الأميركية. فعلى سبيل المثال، فإنّ إسرائيل تحتاج، من أجل مهاجمة إيران، إلى قنابل خارقة للتحصينات لم تضعها أميركا بعد في تصرّفها». ومن جهة أخرى، فإن «المواقع النووية الإيرانية متناثرة ومتباعدة بعضها عن بعض، وهي صُمّمت بحيث إنه إذا تضرّر أحدها، فإنّ البقيّة يمكن أن تعمل كبديل». ويرى عضدي أن الجمهورية الإسلامية، في حال تعرّضها لهجوم عسكري، «ربّما تتحاشى الدخول في اشتباك عسكري مباشر، لكنها قد تتّخذ إجراءات، بما فيها الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، واللجوء إلى التخصيب بنسبة 90%، وتنفيذ أعمال تخريبية تستهدف المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة».
ثمّة إمكانيّة لأن تنسحب إيران من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية


من جهته، يذهب الكاتب ومحلّل الشؤون النووية، رحمان قهرمانبور، إلى الاعتقاد بأنه، «على الرغم من أن تطوير الأنشطة النووية الإيرانية زاد من قلق أميركا وإسرائيل ومن هواجسهما، غير أن ثمّة خلافات تدور بين الأخيرتَين حول كيفيّة التعاطي مع الجمهورية الإسلامية، كما أن هناك شكوكاً كبيرة حول دعْم الولايات المتحدة للعمل العسكري الإسرائيلي ضدّ إيران في الوقت الحالي». ويقول قهرمانبور، في حديث إلى «الأخبار»: «لقد تحدَّث المسؤولون الأميركيون، بمَن فيهم مستشار الأمن القومي، جايك سولفيان، مراراً، عن وجود خلافات في الرأي بين الجانبَين حول كيفيّة التعامل مع إيران، لكنهما يشتركان في رؤية أن طهران لا يجب أن تمتلك سلاحاً نووياً». وعلى رغم تزايُد اللقاءات بين مسؤولي الطرفَين، «إلّا أن هذه الخلافات ما زالت على حالها، ولا توجد وجهة نظر موحّدة في إدارة جو بايدن حول دعْم إسرائيل لشنّها هجوماً عسكرياً ضدّ إيران». وفي الأساس، فإن الهجوم الشامل «ليس مدرَجاً على جدول أعمال إسرائيل التي لا تمتلك القدرة أصلاً على تنفيذه، فضلاً عن أن أميركا لا تدعم هذا الخيار، لكن الهجمات المتفرّقة على بعض المنشآت الإيرانية قد تكون مدرَجة على جدول الأعمال الإسرائيلي»، وفق قهرمانبور. في المقابل، يَلفت مؤلّف كتاب «الدبلوماسية والدبلوماسية النووية الإيرانية» إلى أنه «نظراً إلى الإجراءات الإسرائيلية، بما فيها اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، وكذلك استهداف مواقع في سوريا واشتباكات الطرفَين في البحر، فإن السلطات الإيرانية تأخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجدّ، وهي جهّزت نفسها للتصدّي لها، وقد زادت في هذا الإطار من إجراءاتها الرادعة، فضلاً عن أنه اتّضح، خلال الهجوم الأخير على موقع عسكري في أصفهان، أن الدفاعات الجوّية الإيرانية كانت مؤثّرة، وتمكّنت من تقليص حجم الأضرار»، مضيفاً إن «الهجوم العسكري الشامل والمؤثّر على المنشآت النووية الإيرانية يتعارض وميثاق الأمم المتحدة والنظام التأسيسي للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، وفي هذه الحالة، ثمّة إمكانية لأن تنسحب إيران من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وتتّجه نحو تصنيع السلاح النووي».
يدوره، يشير هادي خسرو شاهين، الصحافي المختصّ بالشأن الإيراني، إلى أن الترتيبات الأمنية الجديدة بين أميركا وإسرائيل بهدف مواجهة البرنامج النووي الإيراني، تبلورت عقب إقرار «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» بعجزها عن التحقّق الكامل بشأن ذلك البرنامج. ويرى خسرو شاهين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هذه الترتيبات هدفها إرساء عامل ردع قبالة إيران لكي لا تتخطّى العتبة النووية أو الردع النووي، أكثر من كونها مؤشّراً إلى القيام بعمل عسكري». ويَلفت إلى أن «القوّات المسلّحة الإيرانية والاستراتيجية الأمنية الإيرانية، تقوم بإعادة تعريف نفسها إزاء التهديدات والتشكيل العسكري والأمني الجديد للمنطقة»، متوقّعاً، بناءً على ذلك، أن «نشهد تزايُد القوّة العسكرية الإيرانية من جهة، وتعزيز وزيادة قدرة محور المقاومة من جهة أخرى، فضلاً عن أن التعاون بين طهران وموسكو يُعَدّ أحد المحاور الأساسية لتطوير قوّة الردع الإيرانية تجاه التهديدات الجديدة».