مع حسْم موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية في تركيا، في الـ14 من أيار المقبل، يعمل المرشّحان الرئاسيان، الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، وزعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليتشدار أوغلو، على كسْب الصوت الكردي، الحاسم في فوز هذا المرشّح أو ذاك. إلّا أن «حزب الشعوب الديموقراطي»، لا يزال يَنتظر معرفة ما في جعبة مرشّح «تحالف الأمّة» ليقدّمه له، ليمضي إمّا في تأييده أو في تسمية مرشّحه الخاص. وفيما يراهن الرئيس التركي على تغيير موقف الحزب الكردي من خلال بعض «العطاءات» التي يُقدّمها له عادةً في مواسم الانتخابات، فقد كرّر الأخير مراراً أنه سيعمل على أن «يصبح إردوغان من التاريخ»
مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، يوم 14 أيار المقبل، موعداً للانتخابات الرئاسية والنيابية، تكون إحدى أكبر المعارك السياسية في التاريخ التركي الحديث قد انطلقت ورمت خلفها كل التكهّنات والاحتمالات بتأجيل الانتخابات. وفي ضوء المرسوم الذي وقّعه إردوغان، يوم الجمعة، وحدَّد فيه موعد الاستحقاق، أصدرت «اللجنة العليا للانتخابات» قراراً يؤكد إجراءها في التاريخ المذكور، على أن تُعقد جولة الإعادة - إذا لَزم الأمر - في 28 أيار. وقال رئيس اللجنة، أحمد ينير، إن الموظّفين الذين يريدون الترشّح للانتخابات يجب أن يستقيلوا من مناصبهم قبل الساعة الخامسة من يوم 16 آذار؛ أمّا المرشّحون لرئاسة الجمهورية، فيجب أن يتقدّموا بطلبات الترشيح قبل الـ 26 من الجاري، وأن يستقيلوا - كما موظّفو القطاع العام، من مواقعهم، بما فيها رئاسة البلدية - قبل الـ 16 منه. وقد عزا إردوغان أسباب تقديم موعد الانتخابات شهراً، من 18 حزيران إلى 14 أيار، إلى تضارب الموعد الدستوري مع الامتحانات النهائية لعشرات الآلاف من طلاب الجامعات وعطلة المدارس، ومع بدء عودة مئات الآلاف من المدن إلى الريف من أجل العطلة الصيفية، ولأنه أيضاً يصادف موسم الحجّ. وفي بيانه الرسمي الذي يُعدّ عمليّاً أوّل خطابات معركته الرئاسية، تحدّث الرئيس التركي عن ظروف الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا في السادس من شباط الماضي، وعن الجهود التي بذلتها السلطة ونوّاب «تحالف الجمهور»، منذ اليوم الأول، لمواجهة آثاره، بخلاف ما تدّعيه المعارضة. على أن حدث الزلزال بكلّ جوانبه سيشكّل العنوان الرئيس في المعركة بين الأطراف المتنافسين. وبالفعل، فقد كانت أولى الجولات الانتخابية لمرشّح «تحالف الأمة»، كمال كيليتشدار أوغلو، إلى مناطق الزلزال، حيث رافقه رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش.
ومع تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والنيابية، بدأت خطط المتنافسين تتبلور أكثر، سواء لجهة طبيعة التحالفات، أو حسابات الأرقام. وفي ظلّ التوازن المبدئي بين جبهتَي «تحالف الجمهور» الُمشكَّل من حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، و«تحالف الأمّة» بأحزابه الستّة، قد ينال كلّ طرف ما بين 40% إلى 45% من الأصوات. لذا، تتّجه الأنظار بقوّة إلى موقف «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي، الذي تُقدَّر أصوات قاعدته الناخبة بـ 10% على الأقلّ، ما يعني أن في مقدوره ترجيح كفّة المرشّح الذي يختار تأييده. وعلى رغم أن زعيم الحزب الكردي، مدحت سنجار، أعلن مراراً أن «الشعوب الديموقراطي» سيعمل على أن «يصبح إردوغان من التاريخ»، وأنه غير راضٍ عن سياساته خلال السنوات العشرين الماضية، إلّا أن موقفه النهائي يَنتظر ما سيحمله كيليتشدار أوغلو معه أثناء زيارته لمقرّه، بما يعني أن تأييده لمرشّح «طاولة الستّة» ليس «تحصيل حاصل»، بل هو مرتبط بما سيقدّمه هذا الأخير. وفي حين كانت خطط لقاء كيليتشدار أوغلو مع الحزب الكردي تواجَه باعتراض رئيسة «الحزب الجيّد» القومي، مرال آقشينير، حليفة كيليتشدار أوغلو، طرأ «تحوُّل» على خطاب الأولى قبل أيّام قليلة، عندما أعلنت أنها «لا تمانع» حصول اللقاء، وهو ما عُدّ بمثابة خطوة أولى على طريق جذْب الصوت الكردي وضمان نجاح مرشّح المعارضة.
وفيما لو حَسم الحزب الكردي قراره بدعم كيليتشدار أوغلو، فقد يمتنع حينها عن ترشيح مرشّح خاص به، ويعطي أصواته من الدورة الأولى لمرشّح المعارضة. وفي جميع الأحوال، فإن الصوت الكردي سيكون حاسماً لجهة نجاح هذا المرشّح أو ذاك. في المقابل، فإن الحزب الوحيد الذي له شعبية في الوسط الكردي، هو «حزب العدالة والتنمية»، إذ يصوّت له ما بين 25% إلى 35% من الأكراد بدافع ديني، على رغم أن الحزب الحاكم هو شريك حزب «الحركة القومية»، الأكثر عداءً وعنصرية تجاه الأكراد، ككتلة عرقيّة. كذلك، تواصِل الكتلة الكردية الإسلامية تأييدها لـ«العدالة والتنمية»، كونها تستفيد من السلطة مالياً وخدماتياً. وغالباً ما كان إردوغان يَنتظر فرصة الاستحقاقات الانتخابية لتقديم وعود بحلّ المسألة الكردية، وتخفيف بعض القيود هنا أو هناك، من دون أن تصل تقديمات «العدالة والتنمية» إلى ما يمسّ جوهر المطالب الكردية المتعلّقة بالهوية واللامركزية السياسية الفعلية لا الشكلية. وغالباً أيضاً ما كان «العدالة والتنمية» ينفّذ عمليات «شطب» للحزب الكردي من الخريطة السياسية عبر المؤسسات القضائية، مثل تقديم دعاوى إغلاق الحزب بتهمة دعم «المنظمة الإرهابية»، أي «حزب العمّال الكردستاني»، أو إقالة رؤساء البلديات الأكراد واستبدالهم بآخرين موالين للسلطة، ليقدّموا الخدمات باسمها، وذلك لكسْب الصوت الكردي، وحتى لا تَصدر الخدمات من رؤساء البلديات الأكراد المنتخَبين، وجميعهم تابعون لـ«الشعوب الديموقراطي».
إلى ذلك، فإن عدداً كبيراً من مسؤولي «الشعوب الديموقراطي» معتقلون منذ سنوات، ومن بينهم رئيسه السابق، صلاح الدين ديميرطاش، المعتقل منذ عام 2017. وكان إردوغان يضغط على الحزب الكردي من خلال منْع الزيارات عن زعيم «العمّال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، المعتقل منذ عام 1999.
الصوت الكردي سيكون حاسماً لجهة نجاح هذا المرشّح أو ذاك


وعلى رغم كل ذلك، يراهن الرئيس التركي على تغيير موقف «حزب الشعوب» من خلال بعض «العطاءات» الهزيلة، من مِثل، إلغاء القضاء، قبل أيام فقط، قرار وقْف الدعم المالي عن الحزب الكردي - المعمول به منذ الخريف الماضي، - والذي تخصّصه الدولة للأحزاب الممثَّلة في البرلمان؛ وتأجيل المحكمة الدستورية جلسة الاستماع إلى محامي «الشعوب الديموقراطي» في قضيّة المطالبة بإغلاقه، من 14 آذار الجاري إلى 11 نيسان المقبل، أي أن الحكم اللاحق بإغلاق الحزب من عدمه سيتأجّل إلى ما بعد انتهاء الانتخابات النيابية، وهو ما كان الحزب قد طالب به أصلاً. ومن المؤكد أيضاً، أن إردوغان سيلجأ إلى استخدام ورقة اعتقال أوجالان، حيث كان يتدخّل لديه ويستصرحه لاتخاذ مواقف تدعو «الشعوب الديموقراطي» إلى تأييده في الانتخابات الرئاسية أو النيابية أو البلدية. وكان آخر موقف صدر عن أوجالان عشيّة الانتخابات البلدية الأخيرة في ربيع عام 2019، لدعم مرشّح «العدالة والتنمية»، بن علي يلديريم، لرئاسة بلدية إسطنبول، ضدّ مرشّح «حزب الشعب الجمهوري»، أكرم إمام أوغلو. وبطبيعة الحال، يدرك الحزب الكردي أن مواقف أوجالان التي لا تَصدر مباشرة في لقاء مع مسؤولين أكراد يزورونه في السجن، لا قيمة لها ومحرّفة. وعلى هذا، لا يُستبعد أن نقرأ أن الحكومة سمحت للبعض بزيارة أوجالان في سجنه، أو أنه أدلى بهذا التصريح أو ذاك.
ومن علامات محاولات التودّد الحكومي للأكراد، مقالة الكاتب المعروف محمد متينير الموالي، في صحيفة «يني شفق»، والتي استنكر فيها تعرُّض لاعبي فريق «آمد سبور» الكردي لكرة القدم (ديار بكر) لهجمات من لاعبي وجماهير فريق «بورصه سبور» في ملعب الأخير، إذ رأى أنه «بقدر ما هي مدينة ديار بكر (الكردية) تركية، فإن مدينة بورصه (التركية) هي كردية». وأضاف متينير إن «القول إن ديار بكر هي مدينة خاصّة بالأكراد لا يحترم ثقافتها وتاريخها، ففيها يعيش أيضاً غير أكراد وغير مسلمين. مدينة بورصه هي أيضاً كذلك، وإسطنبول وإزمير. كلّها مدن يعيش فيها الجميع من أتراك وأكراد وغيرهم. نحن جميعاً ديار بكريون وإسطنبوليون، وكلّنا تركيا مع أننا لسنا عرقيّاً كلّنا أتراكاً، ولسنا كلنا مسلمين ولسنا كلّنا سُنّة أو علويين». ودعا متينير الأكراد إلى التمرّد على «حزب الشعوب الديموقراطي» لأنه «يدعو إلى انتخاب كمال كيليتشدار أوغلو الذي لم يَعِد الأكراد بشيء، والاقتراع لرجب طيب إردوغان، الذي لا يتردّد في تسمية المدن بأسمائها التي عملت سلطة الشعب الجمهوري على تغييرها».
من جهته، يحثّ الكاتب المعروف والمعارض طه آقيول، في صحيفة «قرار»، على التعامل ديموقراطيّاً مع «حزب الشعوب الديموقراطي»، والذي يدعوه أيضاً إلى الابتعاد أكثر عن قيادة «العمّال الكردستاني» في جبال قنديل. ويرى أن أهميّة الحزب الكردي في الحياة السياسية «تزداد، سواء على الصعيد القانوني أو السياسي؛ فالمحكمة الدستورية ألغت قرار تعليق الدعم المالي للحزب بثمانية أصوات، مقابل سبعة. أما قرار الإغلاق، فسيحتاج إلى عشرة أصوات. وعلى هذا، فإن تأجيل جلسة الاستماع للدفاع عن حزب الشعوب الديموقراطي إلى 11 نيسان، يعني أن مشاركته في الانتخابات قد حُسمت، وأنه لا يُنتظر أن يؤيِّد عشرة أعضاء قرار الإغلاق».
ومن الناحية السياسية، يبيّن آقيول، أن دور الحزب حيوي جدّاً، سواء خلال الانتخابات أو بعدها. وقد أدلى الرئيس السابق للحزب، ديميرطاش، والحالي، مدحت سنجار، بتصريحات تحمل معنى التأييد لكمال كيليتشدار أوغلو. ويشير آقيول إلى أن «التعامل مع القضيّة الكردية بعنف ووحشية، كما حدث في الثلاثينيات، وبعد انقلاب أيلول 1982، أثار ردود فعل حتى من داخل النظام، وكان من أسباب ظهور حزب العمّال الكردستاني. ولا يزال الإرهاب مستمرّاً منذ أربعين عاماً. وقد أًظهرت التجارب أن مواجهة الإرهاب لا تكون فقط بالحرب العسكرية، بل أيضاً من خلال اتخاذ إجراءات شاملة سياسية واجتماعية. ومن هذه الطرق، وجود حزب الشعوب الديموقراطي في البرلمان. بل إن سنجار وديميرطاش خرجا بمواقف تدعو إلى سلوك الطريق الديموقراطي لتلبية المطالب والابتعاد عن العنف والانفصالية، ما أثار غضب قنديل».