طهران | بعد أقلّ من أسبوع على قرار إيران والسعودية استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، وصل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، إلى أبو ظبي، في زيارة رسميّة أجرى خلالها محادثات مع نظيره الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، هدفت إلى «النهوض بالتعاون» بين البلدَين. وجاءت هذه الزيارة ردّاً على أخرى قام بها مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى طهران، في كانون الأول الماضي، ومثّلت، في حينه، أوّل زيارة لمسؤول إماراتي رفيع المستوى إلى العاصمة الإيرانية، منذ عام 2016، حين توتّرت العلاقات بين طهران وأبو ظبي على خلفيّة التصعيد الذي حصل بين الأولى والرياض. والتقى طحنون بن زايد، آنذاك، الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وسلّمه دعوة رسمية من الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، لزيارة أبو ظبي، ليُسهم ذلك في إطلاق عملية تذويب الجليد الذي غطّى العلاقات الثنائية. وكانت الإمارات رفعت، في آب الماضي، تمثيلها الديبلوماسي في إيران إلى مستوى سفير، بعدما كانت قد خفّضته إلى مستوى القائم بالأعمال.وإلى لقائه نظيره الإماراتي، التقى شمخاني، أيضاً، محمد بن زايد، ونائبه رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم. وتزامنت هذه اللقاءات مع إعلان وزارة الخارجية الإيرانية تعيين سفير لدى الإمارات، على أن يتمّ إيفاده إلى أبو ظبي قريباً. واستقطبت خطوة شمخاني مزيداً من الاهتمام لكوْنها جاءت بعد أقلّ من أسبوع على الاتفاق الإيراني - السعودي، إلى جانب أنها ضمّت وفداً اقتصادياً ومصرفياً إيرانيّاً خاصاً. ولربّما يمكن ربْط وجود رئيس المصرف المركزي، محمد رضا فرزين، ضمن الوفد الزائر، بالاتّفاقات المتعلّقة بالإفراج عن جزء من الأصول المصرفية الإيرانية المحتجَزة، إذ كان الرئيس السابق لغرفة تجارة إيران والإمارات، مسعود دانشمند، قال، الأسبوع الماضي، إن الأصول المحتجَزة لدى العراق سيتمّ تحريرها عن طريق الإمارات، وإدخالها إلى السوق الإيرانية بالعملة الإماراتية، الدرهم. وفي هذا السياق، أشارت صحيفة «اعتماد» إلى أن «زيارة شمخاني، فضلاً عن تركيزها على القضايا الأمنية، اهتمّت أيضاً بقضايا الاستثمارات والتجارة»، مضيفةً أن «الإمارات تخضع بشدّة لضغوط أميركية لمنع تدفُّق العملة الأجنبية إلى إيران، ومع ذلك، فإنها لا تزال تُعدّ، إلى جانب الصين، أحد الشريكَين التجاريَّين الرئيسَين لطهران». من جهتها، اعتبرت صحيفة «وطن أمروز» الأصولية القريبة من الحكومة أن «قطار الديبلوماسية الإيرانية قد انطلق لتحسين العلاقات مع بعض مُنافسي إيران الإقليميين»، معلّقةً على زيارة شمخاني بالقول إن «بعض الملفّات قيْد التداول بين إيران والإمارات في القطاع المالي والمصرفي، ملفتة وتستحقّ الاهتمام. وتُعدّ أبو ظبي أحد الأقطاب المالية والمصرفية الرئيسة في غرب آسيا، وتُعرف بـ«هونغ كونغ غرب آسيا». ولهذا السبب، فإن إيران حريصة على أن تُقيم، كما خلال العقدَين الماضيَين، تواصلاً متيناً ومؤثّراً مع الإمارات في القطاع المالي، فيما الأخيرة تحرص على ضمان أمنها في منطقة الخليج الفارسي، لا سيما من ناحية اليمن.
تتحدّث بعض الأوساط عن جاهزية إيران ومصر إلى إجراء محادثات هدفها رفع مستوى العلاقات بينهما


وتزامناً مع التطوّرات التي طرأت على العلاقات بين طهران من جهة، والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، تتحدّث أوساط سياسية وإعلامية عن جاهزية إيران ومصر لإجراء محادثات هدفها رفْع مستوى العلاقات بينهما، وإعادة فتح سفارتَي البلدَين. وعلى رغم أن الحكومة المصرية لم تؤكّد حتى الآن هذه الأنباء، غير أن الناطق باسم الخارجية الإيرانية أعلن، في مؤتمر صحافي هذا الأسبوع، استعداد بلاده لتحسين العلاقات مع القاهرة. ويبدو أيضاً أن العلاقات بين إيران والبحرين، والتي قُطعت في أعقاب التصعيد بين الجمهورية الإسلامية والسعودية، ستُستأنف مجدّداً، بخاصّة أن وفداً برلمانيّاً إيرانيّاً زار المنامة في الآونة الأخيرة، فيما ثمّة مَن يشير إلى محاولات للنهوض بالصِلات الديبلوماسية بين إيران والأردن.
وفي الأثناء، لقيت التحرّكات التي يقوم بها شمخاني اهتماماً لدى الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية، والتي اعتبرتْها مؤشّراً إلى تطوّرات جديدة في العلاقات الخارجية لإيران، بفعل قرارات اتُّخذت على مستوى الجهات العليا في الدولة، بما يفوق إدارة رئيسي. وفي هذا الإطار، تحدّثت بعض وسائل الإعلام عن زيارة وشيكة سيقوم بها شمخاني إلى العراق، فيما كتبت صحيفة «آرمان ملي» أن «رجل الميدان والديبلوماسية هو أقرب وصْفٍ يمكن إطلاقه على شمخاني؛ الرجل صاحب الخلفيّة العسكرية الناجحة الذي لا يمكن إنكار ثقة كبار المسؤولين في البلاد به، والتي جعلت منه وجهاً لامعاً في الميدان الديبلوماسي. وقد ارتبط اسم شمخاني في هذه الأيام بالمحادثات والاتفاقات، بما فيها المحادثات التي أفضت أخيراً إلى التوافق مع السعودية». بدوره، اعتبر محلّل الشؤون الديبلوماسية الإيرانية، بهرام فلاحي، في حديث إلى صحيفة «شرق» الإيرانية، التطوّرات الأخيرة بمنزلة «انكشاف للسياسة الخارجية عن جلدها»، واصفاً إيّاها بـ«الديبلوماسية العابرة للحكومة». ورأى أنه إنْ تمّ النظر إلى الطبقات الأعمق لهذه الزيارات والاتّفاقات، سيتبيّن أنها «أبعد من صلاحيات الحكومة؛ أي أن الحكومة والبرلمان والمجلس الأعلى للأمن القومي ومؤسّسة الطاقة الذرية، مجتمعةً، لا بل مجمل النظام في إيران، يسعى إلى المضيّ قُدُماً في سلْخ هذا الجلد، بصورة متوازنة ومتعدّدة الأوجه». كذلك، رأى أن زيارة شمخاني إلى الإمارات، بعد الاتفاق مع السعودية، تُعدّ بمثابة «دخول لبقية المؤسّسات خارج نطاق الحكومة، على خطّ السياسة الخارجية لإيران». وكان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قال، في تغريدة على «تويتر»، أمس، إن زيارة شمخاني إلى الإمارات والعراق تتمّ «في إطار العلاقات الأمنية السائدة وسياسات النظام وتحت إشراف رئيس الجمهورية»، مؤكداً أنه «لا بوجد خلاف».