- تتجنّب الإدارة الأميركية دعوة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، ليكون رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي الأوّل من بين آخر 13 رئيساً للحكومة في دولة الاحتلال، لا يتلقّى دعوة لزيارة الولايات المتحدة خلال شهرَين من تولّيه المنصب، علماً أن هذه الزيارة دائماً ما نُظر إليها على أنها «تتويج غير رسمي».
ما يحدث في إسرائيل ليس عثرة أو محطّة في طريق الكيان، بل هو مفترق طرق يمكن أن يؤدّي إلى تردّي العلاقة مع أميركا
- تَكثر المواقف الأميركية السلبية من الحكومة الإسرائيلية، نقداً وتعبيراً عن استياء وخيبة أمل وإسداءً لتمنّيات ونصائح، وصولاً إلى حدّ التدخّل في الشؤون الداخلية للكيان العبري، بشكل فظّ ومباشر وعلني. ومن بين أوضح تجلّيات ذلك التدخّل، الاتّصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو، بعد قطيعة طويلة نسبياً، على رغم أن روايتَي الجانبَين لِما جرى خلال الاتّصال بدتا مختلفتَين، وعبّرتا عن استمرار التباينات، إذ تحدّثت إسرائيل الرسمية عن نقاش حول مواجهة إيران، وتحديداً «البرنامج النووي الإيراني وسُبل إيقافه»، في حين أعلنت الولايات المتحدة أن رئيسها شدّد على ضرورة وقْف مسار «الإصلاحات» في النظام القضائي الإسرائيلي، وأعرب عن قلقه من «التخلّي عن الديموقراطية والقِيم المشتركة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
- تَنظر واشنطن، بشكل شبه جامع، إلى أن التغييرات المراد إجراؤها في النظام الإسرائيلي، ستؤدّي في النتيجة إلى أوضاع لا يمكن جسْرها أو إصلاحها لاحقاً، ومن شأنها التسبّب بتصعيد غير مسبوق و«خربطة» للتموضعات في الإقليم.
- الواضح، بالنسبة إلى الولايات المتحدة والمعارضة الإسرائيلية، أن التوجّه السائد لدى الفاشية الجديدة في تل أبيب، هو خرق المحظور والعمل على تسلّم السلطة بشكل مطلق، ما يؤدّي بالتبعية إلى «تزاوُج» بين الشؤون الداخلية لإسرائيل والوضع القائم في المنطقة، إذ إن أجندة هذا التيّار لا تقتصر على فرْض الإرادة على المختلفين من اليهود فحسب، وإنّما تشمل التنكيل بالفلسطينيين والاحتراب الإقليمي، الأمر الذي يعني مزيداً من الإضرار بالمصالح الأميركية.
- على هذه الخلفية، تُوقَّع العرائض في مجلسَي الشيوخ والنواب الأميركيَّيْن، لحثّ بايدن على الضغط على الحكومة الإسرائيلية ومنْعها من السير قُدُماً في «إصلاحاتها». واللافت أن مَن يقودون الحملات ضدّ إسرائيل، ويُعدّون الأكثر شراسة في انتقادها، هم اليهود الأميركيون، الذين تطاولهم أيضاً الأجندة الدينية الفاشية، من خلال اعتبارهم «يهوداً غير يهود».
- على رغم أن الانتقادات الأميركية لإسرائيل لا تزال إلى الآن «بلا أسنان»، إلّا أنها تتيح لأيّ مراقب أن يستشرف الأسوأ في حال لم تتراجع تل أبيب عن مسارها، الذي لم يَعُد متعلّقاً بأشخاص تولّوا مناصب مسؤولة، بل بشريحة كبيرة من الإسرائيليين بات أولئك الأشخاص ممثّلين لهم ومعبّرين عنهم. ومن هنا، فإن توقّف مشروعهم لا يعني سقوطه، وإنّما اندفاعهم إلى الإعداد له بقوّة أكبر، في المستقبل المنظور أو المتوسط.
بالنتيجة، ما يحدث في إسرائيل ليس عثرة أو محطّة في طريق الكيان، بل هو مفترق طرق يمكن أن يؤدّي إلى تردّي العلاقة مع أميركا، من دون أن يتّضح حجم هذا التردّي المنظور. وحتى لو جرت معالجة الأزمة موضعياً ومرحلياً، فإن الفاشيين لن يتوانوا عن الإعداد لمواجهة جديدة في المستقبل، من شأنها مرّة أخرى إيذاء المصالح الأميركية، ما يعني، بالنتيجة، أن الصِدام قد يكون محتوماً.