تحوّلت التقديرات والتوصيات التي قدّمها قادة الأجهزة الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية لرئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى حدث محوري على الساحة الداخلية، حيث تداخَل مسار «الانقلاب القضائي»، وما نتج منه من احتجاجات، مع تفاقم المخاطر الأمنية في الداخل والخارج. يُضاف إلى ما تَقدّم، اتّساع نطاق «التمرّد» داخل الجيش، والذي بلغ مستوى دفع رئيس الأركان، هرتسي هليفي، إلى التحذير من أن مواصلة هذا المسار ستحمل المزيد من رجال الاستخبارات على إنهاء عقودهم، وستُوسّع نطاق الرفض ليشمل الجنود النظاميين أيضاً، لا جنود الاحتياط فقط. إزاء ذلك، تكاد تُجمع التقارير الإسرائيلية على أنه ليس بالإمكان مواجهة التحدّيات المحدقة بالكيان مجتمعة، من دون تقديم بعضها على البعض الآخر، والذي يعني فرملة الخطّة التي تسبّبت بالتأزّم الداخلي ونقلت الانقسام إلى داخل الجيش.ولعلّ الشهادة الأبرز التي أدّت إلى تعاظم المخاوف والتحذيرات، هي تلك التي قدّمها وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش، إضافة إلى رئيس «الشاباك» رونين بار. إذ تناول هؤلاء نظرة أعداء إسرائيل إلى حالة التمزّق الداخلي التي تعانيها، وإمكانية أن تترجَم تلك النظرة إلى خطوات عملية. وفي هذا المجال، أكد بار ارتفاع مستوى التهديدات في الساحة الفلسطينية، توازياً مع تعمّق «الصدع في المجتمع الإسرائيلي»، الأمر الذي «سيؤدّي بدولة إسرائيل إلى مكان خطير». كذلك، حذرت بقيّة الأجهزة المختصّة من ارتفاع احتمال نشوب مواجهة عسكرية على الجبهة الشمالية، في وقت يعيش فيه الكيان صراعاً لم يعهده طوال تاريخه. وممّا يزيد الصورة قتامةً، أن كلّ ما تَقدّم يترافق مع حالة اهتزاز - في أقلّ التوصيفات - يشهدها الجيش، تهدّد كفاءته وجهوزيته للمواجهة. وبحسب تقارير إسرائيلية، فإن كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية يقدّمون يومياً، لوزير الأمن، توقّعات مرعبة حول إمكانية تضرّر تلك الكفاءة. توقّعاتٌ تولّى غالانت بدوره نقلها إلى نتنياهو، متناولاً أيضاً التوتّر في العلاقات مع الولايات المتحدة، والخوف الجماعي من عدم الاستقرار.
لم تفلح كلّ أجراس الإنذار التي قُرعت في زحزحة الحكومة عن خياراتها الداخلية


على أن نتنياهو سمع ولم يقتنع. ومع أنّ مصدراً رفيعاً وصف رئيس الحكومة بأنه منفصل عن الواقع، إلا أن العامل الرئيس وراء تردّد الرجل يتمثّل في مخاوفه من أنّ أيّ تراجع عن المسار القائم حالياً قد يؤدي إلى تفكّك حكومته وانفضاض بعض حلفائه عنه، وهو ما سيمثّل فشلاً مدوّياً له ستكون له تداعياته السياسية والشخصية. ومن أجل تجنّب هذا السنياريو، عمد في البداية إلى الطلب من هليفي وغالانت معالجة تمرّد رجال الاحتياط، ليجيبه هذان بأنه لا يمكن الفصل بين التشريع والاحتجاجات. وعلى إثر ذلك، اختار خلال الكلمة التي وجّهها إلى الإسرائيليين، تقديم وعود تطمينية ضبابية، في الوقت الذي أكد فيه مواصلة المسار التشريعي، وهو ما أثار ردود فعل صاخبة من قِبل المعارضة التي أكدت الاستمرار في تصعيد الاحتجاجات. وممّا يزيد الموقف صعوبةً بالنسبة إلى نتنياهو، هو أن أيّ مواجهة عسكرية ستنشب في أيّ من الجبهات، ستضع الحكومة موضع تساؤل وتشكيك، حول ما إن كانت تهدف إلى إنقاذ نفسها أو رئيسها أو استكمال الانقلاب القضائي، أو كلّ تلك الغايات معاً، من خلال أجندتها «الخلاصية» التي قد تجرّ إسرائيل إلى مناطق خطرة. ويعني ذلك، في ما يعنيه، احتمال فقدان الحكومة التضامن والمشروعية الداخلية، وربّما الخارجية، حتى في لحظات دخولها في مواجهة مع «الأعداء».
على رغم كلّ ما تَقدّم، لم تفلح أجراس الإنذار في زحزحة الحكومة عن خياراتها الداخلية. ولعلّ أكثر ما يقلق الجهات المهنية، هو اقتران ذلك مع تصاعد منسوب المبادرة العملياتية لأعداء إسرائيل، في ظلّ تجذّر الانقسام في مجتمعها. ويضع هذا الموقف الكيان أمام تحدٍّ أكثر تعقيداً وخطورة ممّا واجهه في أيّ وقت مضى، وإزاء مفترق طرق تبدو معه الأزمة الداخلية كأنها لامست نقطة اللاعودة.