قبل ستّة أيام من انتهاء المهلة المحدّدة للتشريع، تنفّس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الصعداء، بتصويت «الكنيست» على قانون الميزانية العامّة لعامي 2023 و2024، والذي كان انقضاء تلك المدّة من دون مصادقة «الكنيست» عليه بالقراءات المختلفة، سيعني أوتوماتيكياً حلّ الحكومة والذهاب إلى جولة انتخابية سادسة مبكرة. وجاء تمرير الميزانية بالقراءات الثلاث بعد نقاشات استمرّت لأكثر من 35 ساعة، وسُجّل فيها حضور كامل لأعضاء أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة على حدٍّ سواء. وأُقرّ القانون بتأييد 64 عضواً، ومعارضة 56 آخرين هم كامل عِداد المعسكر المعارض، ومن ضمنهم أعضاء القائمتَين العربيتَين. إلّا أن هذه المصادقة لم تُنجَز إلّا بعدما قدّم نتنياهو تنازلات كبيرة لضمان استقرار حكومته، خصوصاً بعدما هدّد زعماء أكثر من حزب من حلفائه بعدم التصويت على الميزانية، من دون الموافقة على مطالبهم بزيادة ميزانيات لجمهورهم، وفي مقدّمتهم زعماء الأحزاب «الحريدية»، وحزب «عوتسماه يهوديت» بقيادة إيتمار بن غفير.وبدأت النقاشات ليل أوّل من أمس، وانتهت بالتصويت على الميزانية العامة، وعلى قانون التسويات الملازم لهذه الأخيرة، فيما جرت الموافقة على إجراء إصلاحات من مثل إنشاء صندوق ضريبة الأملاك، والتي ستُقتطع من البلديات الكبرى لصالح المستوطنات اليهودية. وبلغ حجم الميزانية للعام الحالي نحو 484 مليار شيكل، فيما وصل للعام المقبل إلى 514 مليار شيكل، ما يعني أكبر ميزانية يقرّها «الكنيست» في تاريخه؛ إذ لم يسبق أن تجاوزت أرقامها، في أيّ مرّة من المرّات، نصف تريليون شيكل. أمّا التوزيع فينصّ على منح 14 مليار شيكل لأحزاب الائتلاف الحاكم، وتحويل 77 ملياراً أخرى إلى وزارة التربية والتعليم في العام الحالي، و82 ملياراً ثانية في العام المقبل إلى الوزارة نفسها. بدورها، نالت وزارة الأمن 63 مليار شيكل في عام 2023، و64 مليار شيكل في عام 2024، فيما ستُحوَّل إلى وزارة الصحة 44 مليار شيكل في السنة الجارية، و50 ملياراً في السنة المقبلة. وإلى جانب قانون الميزانية، صادق «الكنيست» على قانون التسويات الذي بموجبه اختُزلت البنود التي كان من المقرّر أن تحارب غلاء المعيشة، بينما أُبقي على كلّ ما خطّط له وزير المالية، ورئيس كتلة «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموترتش، وتحديداً لناحية إقرار التدابير اللازمة لتسريع «النمو والازدهار»، و«رفع مستوى المعيشة»، فضلاً عن التسريع في إنجاز البنى التحتية ومعالجة الأزمة في سوق الإسكان والعقارات، وزيادة المنافسة والحدّ من المركزية، وتعزيز رأس المال البشري، والحدّ من البيروقراطية، وترشيد القطاع العام.
قانون التسويات قضى تقريباً على الأمل في خفض كلفة غلاء المعيشة


وعقب إتمام هذه المهمّة الصعبة، شارك نتنياهو منشوراً يتضمّن علامة النصر على حساباته في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، معلناً «(أنّنا) فزنا في الانتخابات، وصادقنا على الميزانية، نحن مستمرّون لأربع سنوات مقبلة». ورأى نتنياهو أن «إقرار الميزانية سيمنح الحكومة استقراراً بعد أشهر طويلة من المماطلة والتسويف»، معلناً أن مخطّط «الإصلاحات القضائية سيعود مجدّداً ليوضع على رأس أجندة الحكومة»، آملاً في «تُقرّ هذه الإصلاحات بعد التوصّل إلى اتّفاق مع المعسكر المعارض». وكان نتنياهو جمّد، منذ أكثر من شهر، مخطّط «الانقلاب القضائي»، في أعقاب التحرّكات الاحتجاجية غير المسبوقة ضدّه، والتي بلغت ذروتها في «ليلة الغضب»، عندما وصل المتظاهرون إلى مقرّ رئاسة الوزراء في القدس المحتلّة، احتجاجاً على إقالة نتنياهو وزير الأمن، يوآف غالانت. وأعقبَ قرارَ التجميد دخول «الكنيست» عطلته الشتوية، والذي ترافق مع انطلاق محادثات بين الائتلاف والمعارضة في ديوان الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هيرتسوغ، والتراجع عن إقالة غالانت. على أن تلك المحادثات المستمرّة منذ حوالي الشهر لم تحرز إلى الآن تقدّماً ملموساً، فيما يبدو واضحاً أن البند الأكثر إثارة للجدل فيها، والمتّصل بتحديد صيغة لتعيين القضاة، سيفضي بها إلى طريق مسدود، وهو ما يتحضّر له عرّاب «الانقلاب»، وزير القضاء ياريف ليفين، الذي يريد الدفع بالتشريعات القضائية قُدُماً، ولو من دون التوصّل إلى تسوية.
من جهة أخرى، ادّعى نتنياهو، في مقابلة مع «القناة الـ14»، أنه وضع غلاء المعيشة «هدفاً تالياً»، على الرغم من أن قانون التسويات قضى تقريباً على الأمل في خفض كلفة هذا الغلاء المتصاعد، والذي أنهك الإسرائيليين منذ أزمة «كورونا»، إذ إن القانون الملازم للميزانية ألغى معظم الأقسام التي كانت معدّة لمكافحة الغلاء المتواصل، كما ألغى القيود المفروضة على كبار المستوردين، ولم يفرض أيّ قيود أخرى على الاحتكارات الكبيرة في الاقتصاد. وعلى الرغم من كلّ التحذيرات التي أطلقها كبار مسؤولي وزارة المالية، أصرّ سموترتيش، من جهته، على أن الميزانية التي أُقرّت «تؤسّس لاستقرار حكومي»، علماً أنه بحسب تقديرات وزارته، فإن الميزانيات الممنوحة للأحزاب «الحريدية» «ستضرّ بالنمو مستقبلاً». على المقلب الآخر، هاجم زعيم المعارضة، يائير لابيد، تمرير الميزانية، واصفاً هذه الأخيرة بأنها «أسوأ ميزانية في تاريخ البلاد وأكثرها تدميراً». وإذ أشار إلى أنها تجاهلت غلاء المعيشة لتتضمّن «ابتزازات لا نهاية لها»، فقد رأى فيها «انتهاكاً للعقد المبرم مع مواطني إسرائيل، الذين سيستمرّون في دفع ثمنها مع أطفالهم وأبنائهم». ووصف زعيم «المعسكر الوطني»، وزير الأمن السابق، بيني غانتس، بدوره، يوم التصويت على الميزانية بأنه «يوم حزين لدولة إسرائيل»، معتبراً أن نتنياهو «حوّل الميزانية إلى أداة تُستخدم في الألعاب السياسية»، محذّراً من أن «إسرائيل سقطت في أيدي تحالف متطرّف وضع المجتمع الإسرائيلي واقتصاده على مذبح السياسة».