طهران | تسير إيران ومصر على طريق إحياء العلاقات بينهما، بعد أربعة عقود على انقطاعها، إبّان قرار أنور السادات استقبال الشاه المخلوع، عام 1979. وإذ لا يبدي البلدان أيّ تحفظات في هذا الاتجاه، ولا سيما مع دخول الجانب العُماني على خطّ الوساطة - باعتباره طرفاً موثوقاً فيه من قِبَل الجانبَين -، والذي تريده القاهرة ضامناً خليجيّاً، فإن ما عبّد الطريق أمام استحقاق المصالحة، تمثّل في استئناف العلاقات الإيرانية - السعودية. ومن خلال سياسة «حُسن الجوار» التي تتبعها إدارة إبراهيم رئيسي، تسعى الحكومة الإيرانية إلى احتواء المحاولات الإسرائيلية والأميركية الرامية إلى عزلها في محيطه
يمضي قطار المصالحة والانفراجات الإقليمية قُدُماً في مساره، موشكاً على الوصول إلى محطّة إحياء العلاقات بين إيران ومصر. وفي أعقاب اتفاق المصالحة الإيراني - السعودي الذي وُقّع في آذار الماضي بوساطة صينية، وذلك بعد قطيعة دامت سبع سنوات، وقرار البلدَين التعامل مع بعضهما بدلاً من المواجهة، أُثيرت تكهّنات حول أن الانفراجة الإقليمية لن تقف عند هذا الحدّ، وأن العلاقات بين طهران وكلٍّ من القاهرة والمنامة ستُستأنف في المراحل التالية، إضافةً إلى تبادل السفراء بين الجمهورية الإسلامية والأردن.
وفي خضمّ هذه الانفراجة، تتّجه معظم الأنظار نحو التحوّل في العلاقات بين إيران ومصر، لا سيما وأن العلاقات الرسمية بينهما مقطوعة منذ أكثر من أربعة عقود، على خلفية قرار اتّخذته طهران في أعقاب استقبال أنور السادات، محمد رضا شاه، ملك إيران الذي غادرها في ذلك العام بعد انتصار الثورة. ولهذا، ظلّت العلاقات بين البلدين، طيلة العقود الماضية، عند مستوى مكتب رعاية المصالح في عاصمتَي البلدين. وبعد «ثورة 25 يناير» (2011)، أَطلق البلدان مساعي لتطوير العلاقات الثنائية بينهما، بيدَ أن جهودهما باءت بالفشل بسبب معارضة وضغوط المؤسستَين الأمنية والعسكرية في مصر. لكن تطوّرات الأشهر الأخيرة في المنطقة، بدءاً من استئناف العلاقات بين إيران والسعودية وثمّ عودة سوريا إلى «الجامعة العربية»، وقبلها مصالحة الرياض والدوحة، دلّلت جميعها على انطلاق مرحلة جديدة هيّأت الظروف، وفق مراقبين، لاستئناف العلاقات بين إيران ومصر. فعلى مدى الأسابيع الماضية، بُذلت جهود للوساطة وتبادل الرسائل بين طهران والقاهرة، اضطلع سلطان عُمان، هيثم بن طارق آل سعيد، بالدور الأكبر فيها. إذ زار السلطان، الأسبوع الماضي، القاهرة، حيث التقى كبار المسؤولين فيها، بمن فيهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل أن يتوجّه مباشرة في زيارة دولة إلى الجمهورية الإسلامية. ووفق مصادر مطّلعة، فإنه، وفضلاً عن نقله رسائل بعث بها الأطراف الغربيون لطهران حول إبرام اتفاق نووي مؤقّت، نقل رسالة الجانب المصري حول شروط إحياء العلاقات مع إيران.
وأظهرت تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، خلال لقائه السلطان العُماني، أن مسألة العلاقات مع مصر، شكّلت محوراً رئيساً في المشاورات بين الجانبَين، فيما بدا ترحيبه باستئناف هذه العلاقات، بمثابة إشارة مهمّة إلى أن الجليد الذي تراكم بينهما على مدى 44 عاماً، آخذ في الذوبان. وبحسب الموقع الإلكتروني لمكتب خامنئي، فقد قال الأخير، في معرض إشارته إلى تصريحات هيثم بن طارق، في شأن حرْص مصر على استئناف العلاقات مع الجمهورية الإسلامية: «نحن نرحّب بهذا الموقف، ولا مشكلة لدينا في هذا المجال». وكانت إدارة إبراهيم رئيسي أعلنت، خلال السنتَين الأخيرتَين، أن «سياسة الجوار» تمثّل أحد الدعائم الرئيسة لسياستها الخارجية، وسعت إلى التحرّك في اتّجاه إحياء العلاقات مع بلدان المنطقة والتقارب معها.
يَنظر البعض في إيران بنظرة مشوبة بالحذر تجاه مستقبل العلاقات بين طهران والقاهرة


ويرى مراقبون أن الحكومة الإيرانية تسعى، ومن خلال اتّباع سياسة «حُسن الجوار»، إلى احتواء المحاولات الإسرائيلية والأميركية الرامية إلى عزل إيران في المنطقة، وتحويلها إلى تهديد أمني. غير أن العلاقات بين طهران والقاهرة التي شكّلت إحدى العقد الكبيرة التي تعرقل علاقات إيران الخارجية، يبدو أنها في طريقها إلى الحلحلة. وتشير الأخبار والقرائن إلى أنه ليس مقرّراً أن يَخضع استئناف العلاقات لمحادثات استنزافية وطويلة، وأن اتّفاقاً تامّاً قد حصل في هذا الخصوص على إثر الجهود العُمانية. ويَنظر الرأي العام في إيران بنظرة إيجابية إلى مصر بماضيها الحضاري العريق، فضلاً عن أن الأوساط السياسية والإعلامية في الجمهورية الإسلامية تتحدّث أيضاً بإيجابية عن استئناف العلاقات بين البلدَين. وفي هذا الإطار، رأى الصحافي الإيراني، مصيب نعيمي، في حديث إلى موقع «فرارو» الإلكتروني، أن حظوظ استئناف العلاقات الإيرانية - المصرية، «كبيرة للغاية»، بدليل «إشهار سلطنة عُمان جهودها للوساطة، وهي الدولة التي تعتمد عادةً سياسة التكتُّم في توجّهاتها الخارجية». وأوضح أن ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول المنطقة على مصر، خلال العقود الأربعة الأخيرة، وكذلك الموقف السلبي لإيران من اتفاقية «كامب ديفيد»، مثّلا أهمّ الأسباب التي عرقلت إحياء العلاقات بين البلدَين خلال السنوات الأخيرة، قائلاً: «في الظروف الراهنة، ونظراً إلى تغيّر المعادلات الجيوسياسية على صعيد الإقليم والعالم، وطبعاً تباطؤ المساعدات الممنوحة من لاعبين، بمن فيهم أميركا لمصر، أحدث مناخاً مؤاتياً ومساعِداً لاستئناف العلاقات بين إيران ومصر».
ومن جهته، يقول يد الله جواني، وهو من كبار مسؤولي «الحرس الثوري»، في مقال نشرته وكالة أنباء «فارس»، إن تحسُّن العلاقات أو استئنافها بين إيران والبلدان المهمّة في العالم الإسلامي، بما فيها السعودية ومصر، سيثير بطبيعة الحال حفيظة دول مِن مِثل أميركا والكيان الصهيوني وبريطانيا؛ ذلك أنها ستكون الخاسر الرئيس. أمّا عبد الأمير نبوي، المختصّ في الشأن المصري وكبير الباحثين لدى «معهد الشرق الأوسط للبحوث والدراسات الاستراتيجية»، فقال، في حوار مع موقع «اكو إيران»، إن استئناف العلاقات بين طهران والرياض يشكّل منعطفاً يمهّد للنهوض بالعلاقات بين البلدَين. وعن الملفّات الساخنة بالنسبة إلى كلا الجانبَين، أضاف نبوي أن «الظروف المتغيّرة على الصعيدَين الإقليمي والدولي، والتخوّف من الإرهاب وسياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وأزمتا الطاقة والمياه، وهاجس الهجرة وملفّات مختلفة أخرى، دفعت الطرفَين إلى التفكير بمقاربات وحلول في الحقبة الحالية».
ومع ذلك، يَنظر البعض في إيران نظرة مشوبة بالحذر تجاه مستقبل العلاقات بين طهران والقاهرة. وكتب موقع «مشرق» القريب من «الحرس الثوري» أن «تجربة العلاقات شبه المفتوحة مع مصر على مدى الأعوام الأربعين الفائتة، أَظهرت أنه يمكن، من خلال زيادة التعاون في قطاعات الاقتصاد والتجارة وحتى التعاون الثقافي، تحفيز الجانبَين على التحرّك نحو إقامة علاقات أوثق. غير أن إقامة العلاقات السياسية الاستراتيجية بين طهران والقاهرة، ليست بالعملية التي تتمّ بين عشيّة وضحاها. وعلى النقيض من التوافق بين إيران والسعودية، فإن أمامها مشواراً أطول. إن تطوير العلاقات بين إيران ومصر، يتوقّف على أسلوب تعاطي مصر مع الكيان الصهيوني ويتحتّم على القادة المصريين أن يتّخذوا قراراً حاسماً في هذا الخصوص».