رام الله | تعيش إسرائيل رهينة القلق من سيناريو «حرب متعدّدة الجبهات»، استطاعت المقاومة تقديم أبسط نماذجها في شهر رمضان الفائت، الذي شهد مناوشات على 3 جبهات، أدخلت الكيان في حالة طوارئ. وتبدو جبهة لبنان الأكثر إقلاقاً لدولة الاحتلال من بين كلّ الجبهات القريبة منها، فيما جبهة إيران، إنْ فُتحت، ستعني مواجهة إقليمية كبرى غير معروفة النتائج والوقائع. وعلى ضوء ذلك، كثّف جيش العدو من مشاوراته ومناوراته العسكرية، وآخرها «اللكمة القاضية» المستمرّة حتى الآن، والتي تحاكي حرباً متعدّدة الساحات. أيضاً، دأب قادة الاحتلال، منذ أسابيع، على تهيئة الرأي العام لمثل هذه المواجهة، سواءً بالحديث عن ارتفاع احتمالية وقوعها، أو بالتحذير من التداعيات التي ستنجم عنها، والتي توصف بأن «الجبهة الداخلية» لم تعشها منذ 75 عاماً.
(أ ف ب )

وتعكس هذه الأوضاع قلق إسرائيل من قصور جاهزية قوّاتها عن مواجهة هكذا سيناريوات، خاصة بعد الفشل الذي مُني به جيشها أخيراً على الحدود مع مصر، حيث قَتل الشهيد المصري محمد صلاح 3 من جنودها قبل أن يقضي نحبه، وهو ما أثار تعليقات ساخرة من قِبَل المحلّلين الإسرائيليين من أهليّة القوّات البرّية، ومدى قدرتها على تحمّل معركة كبيرة مع قوّات مدرَّبة مِن مِثل «وحدة الرضوان». كذلك، تخشى دولة الاحتلال من أن تصبح في نهاية المطاف مضطرّة للتحرّك وحدها ضدّ إيران ومحور المقاومة، في ظلّ التطوّرات الأخيرة المتّصلة بالملفّ الإيراني، والتي تُعدّ مثار قلق لتل أبيب. فمن ناحية، تشير تقديرات الأخيرة الأمنية، بحسب «هآرتس»، إلى أن الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران بهدف التوصّل إلى تفاهمات حول البرنامج النووي الإيراني، تقدّمت بشكل كبير في الأيام الأخيرة، وهي تجري بوتيرة أسرع من المتوقّع، وأنه من الجائز أن يتمكّن الجانبان من عقد اتفاق خلال أسابيع معدودة، الأمر الذي ينفي احتمال دخول واشنطن في مواجهة عسكرية مع طهران. ومن ناحية أخرى، تقدّر إسرائيل أن إيران باتت على بُعد أسابيع من قدرتها على إنتاج 7 قنابل نووية، فيما يشي كشفها أخيراً عن تطوير صاروخ «خيبر 4» الذي يصل مداه إلى ألفَي كيلومتر برأس حربي كبير، وإماطتها اللثام عن أوّل صاروخ فرط صوتي لديها، بقفزة نوعية إضافية في قدراتها الصاروخية.
في خضمّ ذلك، عقد المجلس الوزاري السياسي – الأمني جلسة مشاورات في المقرّ السري في وزارة الحرب في تل أبيب، افتتحها بنيامين نتنياهو بالقول إن «الواقع في منطقتنا يتغيّر بسرعة. نحن لا نتصرّف بلامبالاة»، مضيفاً: «نحن نعدّل عقيدة حربنا وخياراتنا للعمل وفقاً لهذه التغييرات، وفق أهدافنا التي لا تتغيّر»، متابعاً: «نحن ملزَمون بالعمل ضدّ النووي الإيراني، وضدّ الهجمات الصاروخية ضدّ دولة إسرائيل، وضدّ إمكانية القيام بحملة متعدّدة الساحات. وهذا يتطلّب منّا، إذا كان يمكن ذلك، التفكير مسبقاً في عدد القرارات الرئيسة التي سيتعيّن على مجلس الوزراء وحكومة إسرائيل اتّخاذها جنباً إلى جنب المؤسّسة الأمنية والجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الأخرى». وفي ضوء الشكوك في إمكانية التدخّل الأميركي في مثل هذه العمليات العسكرية الإسرائيلية، قال نتنياهو، في إشارة إلى مناورة «اللكمة القاضية»: «هذا هو الغرض من التمرين. نحن واثقون من أنه يمكننا التعامل مع أيّ تهديد بمفردنا، وأيضاً من قِبَل الآخرين. الغرض من التمرين هو زيادة كفاءة الجيش الإسرائيلي واستعداده لحملة طويلة، والتعامل مع أحداث مختلفة».
رفعت المقاومة في الضفة الغربية بشكل عام، وفي مخيم جنين خاصة، من درجة تأهّبها واحتياطاتها الأمنية


أمّا وزير الحرب، يوآف غالانت، فاعتبر أن «علينا الاستثمار في المسائل الأمنية، والاستعداد لموقف يتعيّن علينا فيه اتّخاذ قرارات». كما أطلق غالانت، الإثنين الماضي، تصريحات قال فيها: «إذا اندلعت حرب، لا سمح الله، فمن المتوقّع أن تواجه الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحدّيات لم نعرف مثلها خلال 75 عاماً من وجودنا. وهذا يتطلّب منّا أن نكون مستعدّين سلفاً وعلى النحو الأمثل»، مشدّداً على ضرورة استعداد الجبهة الداخلية الهشّة لذلك السيناريو، قائلاً: «فقط الأداء الناجح للجبهة الداخلية، بكلّ مكوّناتها، سيسمح للجيش الإسرائيلي والنظام الأمني بإنجاز المهام على الجبهة». كذلك، عاد الوزير، الثلاثاء، ليهدّد لبنان من جديد بالقول: «إذا أخطأ حزب الله وبدأ حرباً ضدّ إسرائيل، فإنّنا سنضربه بشدّة ونعيد لبنان إلى العصر الحجري».
وفي الوقت الذي يراقب فيه الاحتلال الجبهتَين اللبنانية والإيرانية، تُواصل جبهة الضفة الغربية اشتعالها، مع استمرار الاقتحامات اليومية الواسعة لمدنها وبلداتها ومخيماتها، والذي يقابله دوام عمليات المقاومة، وآخرها واحدة أدّت إلى إصابة مستوطن برصاصات عدّة مساء الإثنين، بعد إطلاق مقاوم النار عليه في بلدة حوارة وانسحابه من المكان، وأخرى استهدفت مستوطناً بالقرب من «غوش عتصيون» قرب بيت لحم، وقبْلها عملية دهس لجنديَين في المكان نفسه. وفرضت قوات الاحتلال طوقاً عسكرياً مشدّداً على مدينة نابلس والبلدات المحيطة بها في أعقاب عملية حوارة، ناصبةً حواجز عسكرية، ومغلِقةً الطرق بالسواتر الترابية. ومع حلول منتصف الليل، تحوّلت العديد من مناطق الضفة إلى ساحة حرب حقيقية، أصيبَ خلالها 6 فلسطينيين بجروح خلال اشتباكات مسلّحة في مخيم عقبة جبر في أريحا، فيما أصيب شابّ بالرصاص الحيّ في بلدة كفر دان في قضاء جنين، والتي شهدت مواجهات تمكّنت فيها «كتيبة جنين» من تفجير عبوات ناسفة بقوات الاحتلال، التي كانت فجّرت مركبة لأحد المواطنين بعدما زعمت احتواءها عبوات ناسفة، واقتحمت عدداً من المنازل. كذلك، أعلنت مجموعات برقين في «كتيبة جنين» خوض مقاتليها معارك في نقاط عدّة في محيط البلدة، واستهدافهم جنود العدو بالعبوات الناسفة.
وشهدت الضفة الغربية والقدس المحتلّتان، خلال شهر أيار المنصرم، استمراراً وتنوّعاً في عمليات المقاومة، والتي بلغ عددها 1025، بينها 124 عملية إطلاق نار واشتباك مسلّح، نُفّذت 47 منها في جنين، و43 في نابلس، وأسفرت عن مقتل مستوطنَين اثنين، وإصابة 28 جندياً ومستوطناً بجروح مختلفة، فيما استشهد 21 فلسطينياً بنيران الاحتلال ومستوطنيه. ومع كلّ عملية ناجحة للمقاومة في الضفة، ترتفع وتيرة التحريض بين صفوف المستوطنين وقادة اليمين على شنّ اجتياح واسع في شمال الضفة. وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة «معاريف» العبرية، مطلع الجاري، أن جيش الاحتلال يدرس وضع خطّة لشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق هناك، لافتةً إلى أن «عملية كهذه قد تستغرق أياماً عدّة، وستكون مركّزة في مخيم جنين وفي البلدة القديمة في نابلس»، مضيفةً أن «هدفها لن يكون فقط اعتقال أو قتل مطلوبين، بل تمشيط هذه الأماكن تمشيطاً دقيقاً، والبحث عن أسلحة ومختبرات لتصنيع المتفجرات»، وأن «احتمال شنّ هذه العملية وارد في ضوء وجود ضغط شديد من جانب عناصر اليمين في الحكومة الإسرائيلية، وتصاعد العمليات الفلسطينية في الضفة الغربية».
في المقابل، رفعت المقاومة في الضفة الغربية بشكل عام، وفي مخيم جنين خاصة، من درجة تأهّبها واحتياطاتها الأمنية، مكثّفةً من نصب المتاريس والحواجز الحديدية والسواتر الترابية على مدخل المخيم. وعلمت «الأخبار» أن المقاومة طلبت من المواطنين عدم استخدام مركباتهم ليلاً، للحدّ من تحرّك قوات الاحتلال التي دأبت على اقتحام المخيم بمركبات خاصة تشبه مركبات المواطنين. وكانت عقدت فصائل المقاومة في جنين مؤتمراً صحافياً مساء الخامس من حزيران، أكدت فيه أن «تهديدات الاحتلال لن تثنيها عن مواصلة درب المقاومة والجهاد والاستشهاد»، مُوجّهةً ثلاث رسائل، أولاها إلى المقاومين الذين دعتهم إلى «عدم استهداف جيبات الاحتلال المصفّحة بإطلاق الرصاص لما في ذلك من استنزاف للذخيرة، وتوجيه رصاصهم إلى رؤوس وصدور الجنود حين يترجّلون من الجيبات»؛ وثانيتها إلى أهالي مخيم جنين الذين أشادت بصمودهم، واعتذرت إليهم بالقول: «نحن أثقلنا عليكم بالحواجز التي نحن مضطرّون لها لدواعٍ أمنية»، وثالثتها للاحتلال الذي خاطبته بأن «تهديداتكم لن تخيفنا ولن تثنينا عن مواصلة درب الجهاد والاستشهاد، ولن تروا منّا إلّا ما يسوء وجوهكم».