طهران | في اليوم الذي أعادت فيه إيران افتتاح سفارتها في العاصمة السعودية، الرياض، بعد سبع سنوات من قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدَين، كشفت طهران عن صاروخها الفرط صوتي القادر على الوصول إلى تل أبيب في غضون 400 ثانية؛ وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن الانفراجات في ما بين إيران والسعودية، وفي المرحلة التالية بين الأولى وكلّ من البحرين ومصر، لم تُدخل أيّ تغيير على البرنامج العسكري والدفاعي الإيراني، وفي صميمه البرنامج الخاص بالصواريخ والمسيّرات.و«فتاح»، أول صاروخ باليستي فرط صوتي إيراني أُزيح عنه الستار يوم السادس من حزيران. صُنع على يد قوّة الجو فضاء التابعة لـ«الحرس الثوري»، وفق ما قال قائدها، أمير علي حاجي زادة، ويبلغ مداه 1400 كيلومتر وسرعته 13 ماخ (13 أمثال سرعة الصوت)، ومحرّكه من النوع الكروي الذي يعمل بالوقود الصلب، ولا يمكن تدميره بأيّ صواريخ مضادة. ومن شأن هذا الصاروخ أن يرفع قوّة الردع والهجوم الايرانيَّين إلى مستوى جديد، قادر على إيجاد توازن مقابل التهديدات الإسرائيلية. والصواريخ الفرط صوتية، هي صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتشبه الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، ويمكن أن تفوق سرعتها بـ 25 ضعفاً سرعة الصوت. كما أن بمقدور هذه الصواريخ التحليق على ارتفاع أقلّ انخفاضاً من الصواريخ الباليستية في غلاف الأرض الجوي، والوصول إلى الهدف بسرعة أكبر بكثير. ولعلّ أهمّ ميزة لها، تمتُّعها المتزامن بالقدرة على المناورة وتغيير المسار في السرعات الفائقة، ما يجعل من الصعب على الأنظمة المضادة للصواريخ اعتراضها. وعلى رغم أن الولايات المتحدة تقول بأنها نجحت في تصنيع نظام دفاع صاروخي لمواجهة الصواريخ الفرط صوتية، إلا أنّ ثمّة شكوكاً حول قدرات الدول على استهداف هذا النوع من الصواريخ. وتُعدّ «الفرط صوتية» ضمن أحدث الأسلحة والتجهيزات التي تمكّنت بعض الدول، بما فيها أميركا وروسيا والصين، إلى الآن، من الوصول إلى تقنية تصنيعها.
يبلغ مدى الصاروخ الفرط صوتي الإيراني 1400 كيلومتر وسرعته 13 ماخ (13 أمثال سرعة الصوت)


وعلى مدى العقدَين الأخيرَين، شكّل البرنامج الصاروخي، وذلك المتعلّق بالمسيّرات، النواة الرئيسة للعقيدة الدفاعية الإيرانية. حتى إن الجمهورية الإسلامية بلغت مرحلة تصدير منتجاتها الصناعية العسكرية، وأهمّها وأكثرها إثارة للجدل هي المسيّرات من طراز «شاهد 136» المورَّدة إلى روسيا، والتي يُقال إنها اضطلعت بدور مهمّ لجهة تعزيز القوّة الهجومية الروسية في الحرب الأوكرانية. وصاروخ «فتاح» هو الثاني الذي تكشف عنه إيران في أقلّ من شهرين، بعد إماطة اللثام عن صاروخ «خيبر» الباليستي، في الـ 25 من أيار الماضي، والذي يصل مداه، وفق السلطات الرسمية، إلى ألفَي كيلومتر، وهو من جيل صواريخ «خرمشهر» الباليستية. ويشكّل تعزيز القدرات الصاروخية وبرنامج المسيّرات، إلى تطور جانب البرنامج النووي الإيراني، على الدوام، مصدر قلق بالنسبة إلى الغرب وإسرائيل، جعل الولايات المتحدة وأوروبا تفرضان أقسى العقوبات على هذين البرنامجَين، فيما أقدمت إسرائيل، من جهتها، على دفعات، على تنفيذ عمليات تخريب ضدّهما.
وبعد ساعات من الكشف عن صاروخ «فتاح»، أعلنت واشنطن أنها فرضت عقوبات على شبكة مؤلّفة من 7 أفراد و7 كيانات على صلة بالبرنامج الصاروخي الباليستي الإيراني في كلّ من إيران والصين وهونغ كونغ. وبحسب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، فإن هذه الشبكة كانت تعمل في مجال المعاملات المالية وشراء المكونات والتقنيات الحسّاسة والحيوية للاعبين الرئيسيّين في مجال تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية. وفي هذا الإطار أيضاً، قال منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي: «أنا لا أخوض في تفاصيل هذا الصاروخ الفرط صوتي المزعوم، لقد وضعنا عقوباتنا بشكل شفّاف ونتصدّى بالفعل للأنشطة الإيرانية في المنطقة». وفي الوقت نفسه، رأت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان، أن الحكومة الإيرانية وبرنامجها الصاروخي يشكّلان «تهديداً للعالم».
وكان للكشف عن «فتاح» صدى واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية الإيرانية، التي رأت فيه تعزيزاً لقوة الردع، وخصوصاً أن إسرائيل باتت في مرمى النيران الإيرانية. وفي هذا الإطار، قالت وكالة «تسنيم» القريبة من «الحرس الثوري»، إن «الوصول إلى هذا الصاروخ مهمّ لجهة أنه يمنح إيران القدرة على مواجهة الشبكة الدفاعية الموحّدة التي كان الأميركيون يريدون بناءها في المنطقة». واختارت صحيفة «كيهان» القريبة من مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، من جهتها، العنوان العريض: «400 ثانية حتى إسرائيل بسرعة 15 ماخ»، وكتبت أن «مدى هذا الصاروخ والإعلان عن 1400 كيلومتر لهما مغزى ودلالات، لذلك، فإن الكيان الصهيوني تحدّث أكثر من الآخرين عن هذا الصاروخ، وهو ما يؤشر إلى تركيبة من التعبير عن القلق، وفي الظاهر التقليل من أهميته». وقال سفير إيران السابق لدى أفغانستان، أبو الفضل ظهره وند، لصحيفة «إيران» الحكومية، إن «صناعة صاروخ كهذا تضعنا تحت مظلّة ردع حتمي. ولا يلقي الأميركيون بظلال من الشكّ على وجود هذا الصاروخ، ويعرفون أن عليهم تسوية قضاياهم مع إيران في إطار معادلة القوّة تلك، وأن يتخلّوا عن الاستزادة والأطماع المبالغ فيها وتلك الأدبيات التي كانوا يستخدمونها تجاه إيران في الماضي».