بين الشرق والغرب تتوزّع الدبلوماسية الإيرانية بجدول أعمال متخم من مردود إنجاز رفع العقوبات. إلى الحلفاء في موسكو، حمل مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي تأكيداً على عمق العلاقات واستمرار توسيع التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا. في حين كان وزير الخارجية محمد جواد ظريف يحطّ في العاصمة البريطانية لندن ضمن زيارة تعدّت إطار المشاركة في المؤتمر الدولي للمانحين بشأن سوريا، إلى مواصلة عملية كسر العزلة الغربية، بل والعربية هذه المرّة.
من السفارة الإيرانية في العاصمة الروسية، وصف ولايتي الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولقاءه المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، بأنّها شكّلت منعطفاً في العلاقات والتعامل الاستراتيجي بين البلدين. وأشار إلى أنّ كبار المسؤولين في البلدين عازمون على تمتين التعاون الاستراتيجي الثنائي منه والإقليمي، واضعاً زيارته لروسيا في إطار رؤية المرشد خامنئي «التوجّه إلى الشرق».
ظريف يلتقي ملك الأردن وأمير الكويت

وأكّد ولايتي أنّ «توسيع التعاون الاستراتيجي» بين إيران وروسيا مستمرّ في كل المجالات، بما فيها المجال الدفاعي. وفي ختام زيارته لروسيا، جدّد ولايتي تحذير بلاده من مساعي واشنطن التقسيمية في منطقة الشرق الأوسط، ومحاولة الولايات المتّحدة استغلال وجود السنّة والشيعة والأكراد لتقسيم بلدان المنطقة في إطار تحقيق الأهداف الأميركية المشؤومة، مشدّداً على أن الجمهورية الإسلامية ستقف بوجه هذا المخطّط.
زيارة ولايتي التي استمرّت لأيام بدت كتتويج للقفزة النوعية للتقارب الثنائي الذي وصلت إليه علاقات طهران وموسكو في الأشهرة الأخيرة. تعزّز هذه القراءة رمزية موقع ولايتي كمستشار أعلى لمرشد الثورة، وجملة تصريحاته على مدى أيام الزيارة «الطويلة» التي أتت تحت عنوان دعوة مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية الروسية والمشاركة في مؤتمر «التعاون بين روسيا في الظروف الجيوسياسية الجديدة»، وهو تعاون وفق ولايتي «سيساهم في تشكيل نظام عالمي أكثر عدلاً».
هذه التصريحات جلت البعد الاستراتيجي الجديد لهذه العلاقات، من خلال حجم المشاريع الاقتصادية والتجارية، حيث كشف ولايتي عن أنّ جردة عقود المشاريع التي وقّعتها بلاده مع روسيا في الأشهر القليلة الماضية قاربت قيمتها 40 مليار دولار، من بينها مشاريع لتوليد الكهرباء وإنشاء سكك حديد، وكذلك من خلال إعلان ولايتي تطابق وجهات نظر الجانبين بشأن الملفّ السوري.

جديد المشاورات الروسية ــ الإيرانية كان تطرّق ولايتي في زيارته إلى أفكار بشأن الملف النفطي، ودعوته إلى توطيد العلاقات بين إيران وروسيا والعراق وفنزويلا في مجال الطاقة، كما كشف عن أن طهران تبحث مبيعات نفط محتملة لروسنفت (أكبر منتج للنفط في روسيا).
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقى المسؤول الإيراني، قد أعرب عن سروره لتنمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مشدّداً على ضرورة تنمية التعاون في جميع المجالات.
رؤية «التوجّه إلى الشرق» الإيرانية والتي تجلّت في تثبيت الروابط الاستراتيجية مع كلّ من روسيا والصين، لم تتعارض في المرحلة الجديدة مع حركة انفتاح نحو الغرب، يقودها الرئيس حسن روحاني في جولته المكّوكية على العواصم الأوروبية، برفقة وزير خارجيته محمّد جواد ظريف. الأخير، ومن العاصمة البريطانية لندن، أشار إلى هذه الجهود باعتباره أن تبديد أجواء التخويف من إيران وخلق أجواء جديدة لتنمية البلاد يعدّان من الإنجازات المهمّة للجهود المنسّقة والدؤوبة التي تحقّقت بفضل توجيهات مرشد الثورة ودعم الرئيس.
والتقى ظريف على هامش مؤتمر المانحين بشأن سوريا، رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، واتفق الطرفان على النهوض بالعلاقات الثنائية بين البلدين وإتاحة فرص أكبر لتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين. كذلك اجتمع ظريف مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري للتباحث في تنفيذ الاتفاق النووي، حيث طمأن كيري ظريف إلى أنّه ليس هناك أي قيود أمام التعاملات التجارية المشروعة بين المصارف. وكانت لوزير الخارجية الإيراني لقاءات مع عدد من المشاركين في المؤتمر؛ بينهم أمير الكويت صباح الأحمد السالم الصباح والملك الأردني عبدالله الثاني.
وعرّج ظريف أثناء كلمة ألقاها في مركز «تشم هاوس» للدراسات في لندن، على التوتّر الأخير مع السعودية، قائلاً إنّ الرياض «بحاجة إلى إعادة صياغة مفهوم الوضع الإقليمي ومصالحها، مثلما تمكّنت إيران من خلال هذا التوجّه من تحويل برنامجها النووي إلى موضوع مشترك وليس موضوعاً تنافسيّاً بين متنافسين». ونوّه وزير الخارجية الإيراني بأنّ مستقبل العلاقات الإيرانية البريطانية إيجابي، وأنّ «البلدين بإمكانهما التعاون المشترك في القضايا الإقليمية».