شهدت الساعات الـ 48 ساعة الماضية، التي أعقبت دخول القوة العسكرية التركية إلى أطراف محافظة نينوى، اتصالات مكثفة ترقى إلى مستوى «المفاوضات» بين بغداد وأنقرة، جرت بعيدة عن العلن، بوساطة أطراف عراقية مقربة من العاصمة التركية، وتمحورت حول قبول بغداد بمد أنبوب الغاز القطري إلى تركيا عبر العراق. في هذا الوقت، استمرت فصائل «الحشد الشعبي» بتصعيد مواقفها، مهددة بضرب جميع المصالح التركية في العراق، فضلاً عن مطالبتها المرجعية الدينية بإصدار موقف يجيز ضرب القوى التركية الغازية. مصدر مطلع على جانب من التفاصيل كشف، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تركيا أكدت للحكومة العراقية، عبر رسائل مشفرة ووسطاء، أنها ستقوم بسحب القوة العسكرية التي دخلت إلى أطراف محافظة نينوى مقابل موافقة بغداد على مد أنبوب الغاز القطري إلى تركيا عبر الأراضي العراقية»، مشيراً إلى أن «أنقرة وعدت أيضاً بإبداء مرونة في ما يتعلق بملف المياه، متحدثة عن إطلاق حصص مائية إضافية» من نهري دجلة والفرات. في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري، الذي لم يصدر عنه أي موقف رسمي بشأن القوة التركية، يقود «حراكاً سرياً» للملمة الموقف ومنع التصعيد. وكشف مصدر مطلع لـ«الأخبار» أن «الجبوري أبلغ القيادة التركية عتبه على ما جرى من استفزاز للعراق، حكومة وشعباً»، وأنه ألح على الطلب من أنقرة «تدارك الموقف وإصدار تصريحات تجنّب المزيد من التصعيد». ويشير المصدر إلى أن رئيس البرلمان حذّر من أن الخطوة التركية قد تقابلها مواقف تصعيدية من قبل بعض الفصائل والقوى «الشيعية» المسلحة، مذكراً بحادثة اختطاف العمال الأتراك أخيراً. رئيس مركز «التفكير السياسي العراقي»، إحسان الشمري، رجّح صحة تلك المعلومات، مشيراً إلى أن تركيا تريد تصدير مشاكلها وأزماتها الداخلية والخارجية مع حزب العمال الكردستاني وروسيا إلى العراق. وأوضح الشمري في تصريح إلى «الأخبار» أن تركيا تريد أن تخلق ما يسمى «الحشد الوطني» التابع لمحافظ نينوى المقال، أثيل النجيفي، قوة عسكرية توازي «الحشد الشعبي».
الحشد الشعبي: الجندي التركي سيُعامل كأي مجرم من داعش
وكانت الأنباء قد تضاربت بشأن حجم القوة العسكرية التركية التي تمركزت في معسكر «الزلكانط»، في أطراف مدينة الموصل، الذي يضم معسكرات «الحشد الوطني». ففيما ذكرت أنباء أن أعداد الجنود الأتراك لا يتجاوز الـ 200 عسكري، أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، في حديث الى «الأخبار»، أن حجم القوة يبلغ 1200 جندي، فضلاً عن 25 مدرعة وثلاث كاسحات ألغام. واعتبر الزاملي في تصريح له أن دخول القوات التركية بمثابة «جس نبض» لدخول قوات من دول أخرى، لتكون بديلاً من «داعش»، داعياً القائد العام للقوات المسلحة إلى إصدار أوامر للطيران الحربي بضرب القوة التركية المتوغلة في حال رفضها الخروج، موضحاً أن الأخيرة جاءت بموافقة حكومة إقليم كردستان. يأتي ذلك فيما دخلت العلاقات العراقية ــ التركية منعطفاً تصعيدياً جديداً. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد جمال، أن الوزارة استدعت السفير التركي لدى بغداد لتسليمه مذكرة احتجاجية، طالبت الجانب التركي بسحب مقاتليه من داخل الأراضي العراقية فوراً، لافتاً إلى أن «الوزارة ستتحرك باتجاه المجتمع الدولي لإيقاف انتهاك تركيا لسيادة العراق». وعقدت رئاستا الجمهورية والحكومة اجتماعاً استثنائياً، طالبتا بعده السلطات التركية بسحب «قوتها المتوغلة»، وذكر بيان رئاسي أن «الخطوة التركية تشكل انتهاكاً للأعراف والقوانين الدولية، وخرقاً للسيادة الوطنية، وخروجاً على ما يريده العراق من علاقات حسن الجوار والتعايش وعدم التدخل في شأن أي دولة من دول الجوار». برلمانياً، طالبت اللجنة القانونية في مجلس النواب الحكومة العراقية بإرسال مشروع قانون إلى البرلمان لإلغاء اتفاقية أبرمتها حكومة نوري المالكي مع الجانب التركي، تجيز للقوات التركية التوغل داخل الأراضي العراقية بعمق 30 كيلومتراً، «إذا استشعرت وجود خطر». عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، مثال الألوسي، كشف عن تفاصيل تلك الاتفاقية، مبيًناً أنه «في 27 أيلول 2007، وقّع وزير الداخلية العراقي آنذاك، جواد البولاني، مع نظيره التركي، بشير أتالاي، في أنقرة، اتفاقاً أمنياً يسمح بموجبه للقوات التركية بمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، لكن بعد الحصول على تصريح مسبق من الحكومة العراقية».
تحدث الزاملي عن 1200 جندي تركي مدعومين بالمدرعات
ويضيف الألوسي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «الاتفاقية هي تجديد لتلك التي وقّعها نظام صدام حسين، وقامت حكومة نوري المالكي بتجديدها، لتحجيم دور الأكراد في التمدد والاستيلاء على المناطق المتنازع عليها، بحجة محاربة تركيا لعناصر حزب العمال الكردستاني». ويؤكد الألوسي أن «الاتفاقية نصت على تقدم الأتراك 25 كيلومتراً، وهم الآن خرقوا الاتفاقية وتقدموا 100 كيلومتر في نينوى، مع طائرات هليكوبتر ودبابات ودروع متنوعة». وفي ردود الفعل على التصعيد التركي، هددت فصائل عدة من «الحشد الشعبي» باتخاذ مواقف تصعيدية ضد تركيا، مؤكدة أن «الجندي التركي سيعامل كأي مجرم من تنظيم داعش». وكانت أكثر المواقف التصعيدية قد صدرت من كتائب «حزب الله»، التي توعدت باستهداف المصالح التركية «في كل مكان». وفي حديث الى «الأخبار»، قال القيادي البارز في الكتائب، أبو طالب السعيدي، «إننا سبق وحذرنا، مراراً وتكراراً، من التدخلات التركية في الشؤون العراقية السياسية والأمنية والاقتصادية ... فسيتم معاملة الأتراك كالأميركان وداعش». كما دعت حركة «النجباء» إلى تطبيق قانون «الخيانة العظمى» بحق المرحبين بـ«الغزو التركي». وحذر المتحدث باسم الحركة، هاشم الموسوي، من أن «أي قوة عسكرية برية تدخل العراق، سنتعامل معها تعامل المحتل المعادي المنتهك لسيادة البلد وحرمة أراضيه». كما هددت كتائب «بابليون» تركيا بأنها ستدفع غالياً ثمن «استهتارها» وتدخلها في الشأن العراقي، مشيرةً إلى أن «التدخل التركي يأتي في سياق أجندة تقسيمية؛ لكن زمن الأحلام والأوهام الإمبراطورية التركية ولّى ولن يعود». وذلك فيما توعد الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني تركيا باستهداف القوة العسكرية التي أرسلتها إلى أطراف نينوى. وأوضح القيادي في الحزب، دليل آمد، أن «قوات تركية موجودة منذ فترة في مواقع مختلفة قرب محافظة نينوى»، متهماً أنقرة بالسعي إلى «خلق فتنة وإثارة المشاكل عبر إرسال هذه القوات إلى شمال العراق». عربياً، أدانت الجامعة العربية الخطوة التركية، واصفةً إياها بـ«السافرة». وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، إن «كل ما نستطيع أن نقوم به هو إصدار بيان إدانة، وليس لدى الجامعة العربية قدرة على إيقاف هذا التدخل على أرض الواقع»، متحدثاً عن «موافقة عامة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن على اتخاذ كل الإجراءات لوقف هذه التدخلات». وصدر أول موقف إقليمي من إيران، التي اعتبرت توغل القوات العسكرية التركية في الأراضي العراقية إجراءً خاطئاً. وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إن "الدعم من الدول الأخرى ومكافحة داعش بحاجة إلى التنسيق الكامل مع الحكومة القانونية العراقية، وأخذ الإذن منها. لذلك، نحن نعتبر أن مثل هذه الإجراءات تتعارض مع أمن المنطقة».