أيام تفصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن استحقاقها التشريعي العاشر والدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة. محطتان تتزامنان في يوم واحد وتنفصلان شكلاً ومضموناً، الأولى تشريعية بحتة سيكون لها انعكاسات ملموسة على المستويات كافة، فيما الثانية ستنحصر نتائجها في تجديد المقاعد وإعادة انتخاب ممثلين عن الشعب في مجلس خبراء القيادة.سيتركز التنافس السياسي على مجلس الشورى، لأن إعادة خلط الأوراق في داخله ستعني رسم سياسات جديدة، أقله على المستوى الداخلي، مع وصول تأثيراتها على البعد الخارجي لما يمتلكه البرلمان من صلاحيات تتحكم في العديد من مفاصل العمل الحكومي والمعيشي والاجتماعي، ذلك أن الجميع يرفع شعار الاستقرار ويتفق على ضرورة النهوض الاقتصادي.
يعكس التنافس الانتخابي المتقارب في الشعارات محاولة الطرفين تبني نظرية "النهوض الاقتصادي"

ويعكس التنافس الانتخابي المتقارب في الشعارات بين قطبي السياسة في إيران ــ من إصلاحيين ومحافظين ــ وارتكازها على البعد المعيشي والخدماتي، سعي الطرفين إلى محاولة تبني نظرية "النهوض الاقتصادي" في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، فهذا الشعار هو عنوان المرحلة المقبلة لإعادة هيكلة النظام الاقتصادي الإيراني مع كل ما يحتويه من تعقيدات ستواجه المشرّعين الجدد والتعامل مع ما هو مقبل بحساسية كبيرة، لأن التأسيس الصحيح سيؤدي، مستقبلاً، إلى تحصين الجمهورية الإسلامية من الاهتزاز مع الأزمات ويعطيها زخماً إضافياً محلياً وإقليمياً.
علاوة على ذلك، تنظر دوائر القرار الدولي بحساسية كبيرة إلى نتائج الانتخابات التشريعية، لمعرفة مدى تأثير السياسات التي اتخذتها ضد الجمهورية الإسلامية سابقاً، وما هي مفاعيل الاتفاق النووي والانفتاح على إيران، حالياً ومستقبلاً. ويأتي هذا الترقب الانتخابي الزائد لتوظيف نتائج الانتخابات بحسب الرغبات الغربية والأميركية وحتى الإقليمية، فأي نتيجة ستحصدها صناديق الاقتراع ستُقرأ بتمعّن من قبل الخارج، وستتم دراسة نسبة المشاركة والتصويت والتحالفات والنتائج، فإن صبت في مصلحة المحافظين أو الإصلاحيين، أو انتهت بتحالف القوى المستقلة مع أحد القطبين، ستكون لكل نتيجة معنى. وفي هذا المجال، يعد المفهوم الغربي لفوز المحافظين انتكاسة لسياسات الغرب، الذي حاول جاهداً فصل القاعدة الشعبية عن الشريحة المحافظة عبر الحصار والعقوبات، واستغل أحداث عام 2009 على أكمل وجه لهذا الغرض، فيما التفسير الثاني، أي فوز الإصلاحيين، سيعني إحراز تقدم في إطار كسر خط التشدد بالتعاطي المحافظ مع الغرب، وقد يؤسس لمرحلة جديدة يمكنها أن تسمح بوصول رؤية أكثر انفتاحاً على الغرب.
ولكن هذه النظرة من الخارج إلى المعركة الانتخابية يشوبها الكثير من الضبابية والتضليل. الماكينات الإعلامية الغربية، وخصوصاً الناطقة بالفارسية والممولة أميركياً، تسعى إلى الترويج لهذه المواضيع لخلق حالة من الإرباك لدى المواطن الإيراني، والتشويش على الأجواء العامة في البلاد والتمهيد لتجيير نتائج الانتخابات والاستفادة ممّا ستفرزه من معادلات جديدة على ساحة السياسة الداخلية واستثمارها في المعركة المستمرة مع إيران، والتي لم تنته بإقفال الملف النووي لأن الحساب الغربي والأميركي والإقليمي مع طهران لم يغلق، والمعركة الأساسية بدأت لوضع إيران على خريطة الاحتواء واستمالتها بالسياسة والحوار، لإدخالها في نفق التسويات، وهذا ما تتنبه له دوائر صناعة القرار الإيراني.
الخلاف في البرامج السياسية بين الأحزاب أمر مستمر في إيران، ولكن هذا الخلاف ليس لجر البلاد وإدخالها في مشاريع دولية، بل يختلف الساسة في إيران ويتنافسون على حفظ مصلحة النظام والدفاع عنه. وهنا، يأتي الحديث عن فشل كل الرهانات الموضوعة على نتائج الانتخابات التشريعية، لأن النظام المؤسساتي الإيراني، الذي يمنح الشعب حق انتخاب قياداته حتى على مستوى المرشد الأعلى، من خلال مجلس خبراء القيادة، يعرف جيداً أنه مهما كانت النتيجة، فإن التراتبية القيادية والسياسية في إيران تمنح النظام مظلة قادرة على ضبط كل الأمور وإيقاف أي اندفاعات أو تفلتات لأي من المكوّنات السياسية التي لديها هامش كبير للمناورة على الصعد كافة، ضمن الأطر والخطوط العامة التي يضبط إيقاعها ويشرف عليها المرشد الأعلى.