في نهاية الأسبوع الجاري، سيجتمع المسؤولون الأتراك مجدداً الى نظرائهم الأوروبيين للتوصل إلى اتفاق نهائي عقب إعلانهم قبل أيام عن اتفاق أوّلي ينظّم مسألة "تدفق المهاجرين إلى أوروبا"، وهو اتفاق انتقده العديد من المسؤولين والصحافيين الأوروبيين، ورأوا فيه تنازلاً أوروبياً أمام "الابتزاز التركي".وعقب ارتفاع حدة الانتقادات الموجّهة ضد الاتفاق، استبعد الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أول من أمس، تقديم أي "تنازل" لتركيا، في مقابل ضمانات منها بضبط تدفق المهاجرين. وكان هولاند يتحدث في ختام اجتماع في قصر الاليزيه مع 15 مسؤولاً اشتراكياً ديموقراطياً أوروبياً رفيعي المستوى، شدد خلاله على ضرورة الاستجابة إلى "الأزمة العميقة" التي تواجهها أوروبا بسبب تدفق المهاجرين واللاجئين.
هولاند: يجب الاستجابة لـ"الأزمة العميقة" التي تواجهها أوروبا

وفيما ستكون القمة المرتقبة لدول الاتحاد الأوروبي الـ28 في بروكسل في 17 و18 من الشهر الجاري على سلّم أولويات الاهتمامات الأوروبية لهذا الأسبوع، يرى الناشط النمساوي والمنسق في منظمة «تراين أوف هوب» لمساعدة اللاجئين، جورج جساور، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ ما ظهر حتى الآن "هو فشل أوروبي، استطاعت تركيا أن تستغلّه بهدف التوصل إلى اتفاق ستحصد منه على الأقل 6 مليارات يورو من المساعدات، وإلغاء التأشيرة لمواطنيها". وتأخذ تركيا، في المقابل، كل المهاجرين الذين يعبرون من أراضيها، وتحديداً أولئك العالقين في اليونان، بينما يتعهّد الأوروبيون، وفق الاتفاق غير النهائي، نقل لاجئ واحد من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لقاء كل طالب لجوء تستعيده أنقرة، عملاً بمبدأ «واحد مقابل واحد».
من جهة أخرى، يرى جساور أن أحد أهداف أوروبا من الاتفاق هو أن تتمكن من اختيار المهاجرين "وفق معيار طبقي وعملي... بحجة استقبال القادرين على الاندماج في المجتمع الأوروبي". ويوضح أنّ ذلك يعني استقبال الذين يمكن "الاستفادة منهم في سوق العمل".
قد تؤكد إشارة الرئيس الفرنسي إلى "الأزمة العميقة"، إلى جانب حديث الناشط النمساوي المتابع عن قرب لتطوّر ملف اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا، ما سبق أن ألقى الضوء عليه مفكرون أوروبيون حين كانت الإعلانات الرسمية لعواصم أوروبية تسعى إلى القول إنّ الخطر الخارجي على الاتحاد (المهاجرين، الإرهاب، إلخ..) أكبر من الخطر الداخلي (الاقتصادي والسياسي). وهذا ما يذكّر باعتبار المفكّر السلوفيني، سلافوي جيجك، في وقت سابق، أنّ "أوروبا تعاني أزمة قد تمثّل تهديداً وجودياً لها، وهي بكل بساطة لا تريد الاعتراف بذلك".
وفي هذا السياق، يشير جورج جساور إلى أن أزمة اللاجئين والمهاجرين كشفت عن غياب الوحدة السياسية ضمن الاتحاد الأوروبي، وعدم قدرة الدول الأعضاء على التنسيق فيما بينها لاحتواء حوالى مليون لاجئ، لكن في الوقت نفسه، يرفض الناشط النمساوي فكرة أنّ "النخب في الاتحاد تستغل عن وعي أزمة اللاجئين لتغييب الأزمة الاقتصادية"، ويؤكد أنّ "بنية الاتحاد هي التي لم تسمح بإنتاج حلول جذرية، ما أدّى إلى تفاقم الأزمة إلى الشكل التي هي عليه اليوم"، علماً بأنّ وزير المال اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، كان قد كشف في أوقات سابقة عن طبيعة الأحاديث التي كانت تدور بين وزراء المال في «مجموعة اليورو»، والتي أظهرت أنّ "نخب أوروبا على وعي تام بطبيعة الأزمة الأوروبية وبكيفية معالجتها، لكنّهم، ببساطة، غير مستعدين للإقدام على تطبيق الحلول، لما لذلك من تأثير في مصالحهم".
وبينما يشير جساور، خلال حديثه، إلى احتمال "أن تجبر الأزمة الاتحاد على تغيير سياساته، والإقدام على إصلاحات بنيوية"، تُظهر سياسات بروكسل، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية بين عامي 2011/2010 وأزمات دول الجنوب الأوروبي، وصولاً إلى أزمة اللاجئين راهناً، أن آلية تعامل الأوروبيين مع الأزمات وإدارتها، محصورة بالتهرّب من معالجة الجذور إلى احتواء النتائج.
ويبدو أنّ غياب قدرة الأوروبيين على التوصل إلى اتفاق لتوزيع اللاجئين والمهاجرين على بلدانهم (ما يعني تحمّل كل بلد تكاليف من يستقبل)، وفي ظلّ التهرّب من فتح ملف أزمات بنية الاتحاد الأوروبي، لا بد أن يجبر العواصم الأوروبية على التوصل إلى اتفاق مع أنقرة، بأي ثمن.