كان تصريح رئاسة الوزراء البريطانية الصادر منذ أيام عقب كشف "أوراق بنما" تهرّب ديفيد كاميرون من الضرائب، مشابهاً لتصريح صدر في 2012 حين نشرت صحيفة "ذا غارديان" تقريراً عن تورطه بأمر مشابه. إنّ "هذه شؤون خاصة"، هذا ما قاله التصريحان.
لكن هذه المرة، نتيجة عوامل سياسية عدة (أهمّها الاستفتاء المرتقب حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والانقسام في "حزب المحافظين")، لم يكتف البريطانيون بالتصريح، ما أجبر كاميرون على الاعتراف بأنه استفاد من "قطاع الأوفشور" بنحو 30 ألف جنيه استرليني إثر بيعه الأسهم قبل أن يتسلّم رئاسة الحكومة. كذلك كشف عن عائداته بين عامي 2009 و2015، لكن دون جدوى، إذ أظهرت تلك الحسابات أنه تسلّم من والدته مبلغ 200 ألف جنيه على شكل هدايا في عام 2011. وفيما رأى البعض في ذلك محاولة للتملّص من ضريبة الميراث، برر كاميرون حصوله على المبلغ بالقول إنه حصته من بيت ورثه وإخوته عن أبيهم.
تختلف الظروف السياسية
الراهنة لديفيد كاميرون عن
ظروفه في 2012

كذلك، أعلن رئيس الحكومة البريطانية تشكيل لجنة عمل تضم أعضاءً من "هيئة جلالة الملكة للإيرادات والجمارك" و"الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة"، للقيام بدراسة قانونية للشؤون المالية لشركات مذكورة في "أوراق بنما". إلا أن صحيفة "ذا إندبندنت" ذكرت، أمس، أن الرئيس التنفيذي للهيئة، إدوارد تروب، كان شريكاً في مكتب "سيمونز أند سيمونز" الدولي للمحاماة، المعروف بأن من زبائنه أصحاب شركات وصناديق "أوفشور" (من بينها الصندوق الائتماني العائد إلى والد كاميرون).

استبدال كاميرون؟

تختلف الظروف السياسية لديفيد كاميرون راهناً عن ظروف عام 2012 حين تجنب تداعيات الكشف الأول عن استفادته من "الأوفشور" بفعل وضعيته الصلبة. في ذلك العام، كان قادراً على تسويق حكومته على أنها "إصلاحية بشكل جذري"، وعلى فرض سياسات التقشّف وتقديمها كحل وحيد للمشاكل الاقتصادية. أما حالياً، فيبدو واضحاً أن كاميرون لم يعد بإمكانه تسويق سياساته، حتى أنه يحتاج إلى تنظيم استفتاء شعبي (سيجري في حزيران) ليبقي بلاده في الاتحاد الأوروبي خلافاً لتوجهات عدد مهم من أعضاء حزبه.
وجدير بالذكر أن الجدل القائم بشأن الاستفتاء، يعكس الانقسام السياسي داخل "حزب المحافظين" الحاكم، وتضارب مصالح سياسية واقتصادية شديدة بين كوادره ومن يمثلونهم. ولعلّ ما نقلته "ذا غارديان" عن مصادر، بأنّ كاميرون قد يعرض على أبرز الشخصيات المعارضة لسياساته داخل الحزب (مثل محافظ لندن، الصحافي بوريس جونسون، والنائب مايكل غوف) مناصب مهمة في الحكومة بعد الاستفتاء، يوضع في إطار محاولات إعادة توحيد الحزب.
وعلى الرغم من أن "أوراق بنما" لم تكشف جديداً حيال تورط كاميرون باستثمارات "أوفشور"، يرى مراقبون أن للحملة ضده، التي يُسهم في تأجيجها مسؤولون من حزبه، بعداً آخر، يندرج في إطار مخاوف "المحافظين" من فقدانهم السلطة بسبب سياساتهم المتبعة في السنوات الماضية. وتعتبر المحللة السياسية، هيلين لويس، أن "أحد العوامل المهمة التي أنقذت الحزب في انتخابات 1992 من خسارة السلطة تمثّل باستبدال رئيسة الحكومة، مارغريت ثاتشر، بجون مايجر الذي كان يُعَدّ نسبياً شخصية جديدة"، وقد يكون هذا ما نراه اليوم في ظل صعود شخصيات كبوريس جونسون، ومايكل غوف.
لكن بينما تبدي لويس اعتقادها بأن استراتيجية "حزب العمّال" للفوز بالسلطة، تكمن في إلقاء الضوء على أخطاء مسؤولي "المحافظين"، كوزير الخزانة، جورج أوزبورن، وكاميرون، فإن متابعين للسياسة البريطانية يرون أنّ قوة حملة زعيم "العمّال"، جيريمي كوربين، إضافة إلى قدرات الحزب نفسه، قد تكونان أكثر صلابة من أن تفشلا نتيجة "سياسات الاستبدال".