في اليوم الثاني على اعتداءات بروكسل، حالة من الحذر والترقب بدت واضحة في ردود الفعل الأوروبية، والبلجيكية والفرنسية خصوصاً. سرعة توجيه الاتهامات ورفع الصوت حيال مخاطر "الانقسامات القيمية"، لم تطغ على وسائل الإعلام، ربما لأنّ المعطى جديد: تواجه أوروبا حرباً عابرة لحدود بلدانها، ما عزز لدى بعض الكتاب انطباعات "بعدم الاستقرار الأوروبي".
وقد يكون الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد عزز ذلك الشعور، حين كرر دعوته إلى "التوحد ضد الإرهاب"، فقال خلال زيارته للأرجنتين، أمس: "يجب على العالم أن يتحد ضد الإرهاب. نستطيع، وسنهزم أولئك الذين لا يهددون أمن شعبنا فحسب، بل شعوب العالم أجمع".
على الجانب الآخر من القارة الأوروبية، كانت تركيا تستثمر، لتروّج لنفسها أنها في قلب العالم الغربي. فقال رئيس وزرائها، أحمد داوود أوغلو، إنّ "أمن أوروبا يبدأ من تركيا"، من دون أن ينسى ربط ذلك بالإشارة إلى أنه "من أجل أمن تركيا، فإن إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا ضرورة". كذلك فعل الرئيس التركي، رجب طب أردوغان، لكنه استخدم أبواباً أخرى لتناول الحدث الأوروبي، وقال إنّ "أحد الذين شاركوا في هجوم بروكسل اعتقل في حزيران 2015 في غازي عنتاب. ورُحِّل في 14 تموز 2015 بعد معلومات من السفارة البلجيكية"، مضيفاً: "رغم أننا أبلغناهم أن هذا الشخص مقاتل إرهابي أجنبي، لم تتمكن السلطات البلجيكية من إثبات أن له صلة بالإرهاب". وتابع الرئيس التركي قائلاً: "يمكننا أن ننجح (في المعركة على الإرهاب) إذا شكل القادة الدوليون تحالفاً ضد الإرهاب. ولأجل ذلك، علينا أن نعيد تحديد مفاهيم الإرهاب العالمي والإرهابيين".
مانويل فالس: قمنا بغضّ النظر عن انتشار الأفكار المتطرفة للسلفية

في غضون ذلك، كانت الاهتمامات الأوروبية تركز على جوانب أخرى. ظهر ذلك في حديث رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس، الذي شدد على ضرورة "تعزيز مراقبة الحدود الخارجية" للاتحاد الأوروبي، موضحاً، في حديث متلفز، أنّ "تبني مشروع الوثيقة الأوروبية للمعطيات الشخصية للمسافرين جواً أمر ملحّ، وتعزيز الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي أمر ملحّ". وأضاف أنّ "من الملحّ أيضاً ألّا يتمكن أي شخص من المرور بوثائق مزورة، لأننا نعرف أنّ داعش سرق كميات كبيرة من جوازات السفر في سوريا. وهذا يفرض التدقيق في المعلومات ومقاطعتها".
وأشار فالس، الذي كان قد اعتبر قبل يومين أنّ أوروبا "في حالة حرب"، إلى أنه يجب التقدم "في مجمل الوسائل لمكافحة الإرهاب"، لأنه باعتداءات بروكسل "هوجمت أوروبا لأنها أوروبا. لذلك يجب أن يكون الرد أوروبياً". وفي نقطة مهمة، قال رئيس الوزراء الفرنسي: "قمنا بغض النظر، في كل مكان وفي فرنسا أيضاً، عن انتشار الأفكار المتطرفة للسلفية، أحياء أفسدت عبر هذا المزيج من تهريب المخدرات والإسلام الراديكالي... قسماً من شبابها".
وتكمن أهمية النقطة التي أثارها فالس في أنّ من شأنها فتح مسألة بناء الجوامع وتمويلها الخليجي في الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وبلجيكا. وجدير بالذكر في هذا السياق، أنّ بعض المشاكل في بلجيكا ترجع إلى السبعينيات عندما سعت تلك الدولة التي كانت تعتمد اعتماداً كبيراً على الصناعة في ذلك الوقت، إلى شراء نفط رخيص من السعودية من خلال الموافقة على إقامة مساجد للأئمة والدعاة الذين تدربوا على الدعوة في منطقة الخليج.
وإنّ ما قد يمكن وصفه في الأيام المقبلة بالتحوّل النوعي في الخطاب الأوروبي ما بعد الاعتداءات، ظهرت على ما يبدو إشاراته أيضاً لدى بعض الباحثين، مثل الباحث الفرنسي جيل كيبيل ــ المنظّر في فترة ما إلى الثقافات المعادية لأحياء المهاجرين و"ضواحي الإسلام". فقد ركّز كيبيل في مقابلة أجريت معه أمس، على "أزمة داعش" الذي كان هدفه من الاعتداءات في بروكسل، وفقاً له، "تلميع صورته من جديد" إثر إخفاقات عدة عرفها على عدد من الصعد. وللإشارة، فإنّ كيبيل أيضاً، بدأ رده عند سؤاله عن "طبيعة التحدي الجهادي اليوم"، بالقول إنّ هناك "إرادة للقضاء على الحضارة الأوروبية وقيمها بفضل هذا القطع الثقافي الأساسي الذي تدعو إليه السلفية الموالية للسعودية".
من جهة أخرى، طغت أمس، في مجمل المتابعات السياسية والإعلامية، الحديث عن المشاكل الأمنية، في ظل انتقاد مسؤولين أميركيين، لم يعلنوا أسماءهم، لبلجيكا لعدم قيامها بما يلزم قبل وقوع الاعتداءات. وبينما نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين أميركيين اعتقادهم أن الإعداد للاعتداءات كان جارياً قبل سقوط صلاح عبد السلام، يوم الجمعة الماضي، في قبضة السلطات، كشفت مصادر حكومية أميركية أخرى أنّ الولايات المتحدة وبلجيكا كانتا ترجحان وقوع هجوم آخر بعد باريس، لكن لم يكن لديهما معلومات مؤكدة عن الموقع الذي قد يحدث فيه.
ومن ضمن حملة الانتقادات المباشرة وغير المباشرة التي ووجهت بها السلطات البلجيكية خلال اليومين الماضيين، كان لافتاً الرد البلجيكي على انتقاد فرنسي رسمي. فبعدما جدد وزير المالية الفرنسي، ميشيل سابان، ما دار من جدل حول السياسات البلجيكية في أعقاب هجمات باريس، إذ تحدّث عن "سذاجة" لدى "قادة بعينهم" بالامتناع عن شنّ حملات أمنية، ردّ النائب البلجيكي، ديدييه دوكارم، المنتمي إلى حزب رئيس الوزراء، قائلاً إنّ تعليقات مثل ما أدلى به الوزير سابان "بدأت تزعجني جدياً"، مذكراً بأنّ مسلحاً يعيش في فرنسا هو الذي قتل أربعة في متحف يهودي في بروكسل عام 2014.
وتتجه الأنظار مجدداً إلى العاصمة البلجيكية اليوم، حيث سيعقد وزراء العدل والأمن في دول الاتحاد الأوروبي اجتماعاً طارئاً، وفق ما أعلنت هولندا، التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)



إبراهيم وخالد البكراوي: سوابق "غير إرهابية"
أعلن المدعي الفدرالي البلجيكي، فريدريك فان لو، أمس، أن الانتحاريين اللذين نفذا الاعتداءات هما الشقيقان خالد وإبراهيم البكراوي. وقال إنه جرى التعرف من خلال البصمات إلى إبراهيم البكراوي على أنه أحد منفذي اعتداء المطار، وإلى شقيقه خالد على أنه منفذ اعتداء محطة مالبيك.
وأوضح المدعي العام أن "الإرهابيين اللذين قتلا لديهما سوابق قضائية خطيرة غير مرتبطة بالإرهاب". وتابع أن إبراهيم البكراوي رمى جهاز كمبيوتر عليه "وصيته" في سلة للمهملات في شارع حي شاربيك. وأضاف أن إبراهيم كتب في الوصية أنه "لم يعد يعلم ماذا يفعل"، لأنه "مطلوب في كل مكان".
وبينما لم يكن الرئيس التركي قد حدد اسم الشخص الذي كان قد أوقف في غازي عنتاب، قال مسؤول تركي كبير إنه إبراهيم البكراوي.
في غضون ذلك، نفت السلطات البلجيكية توقيف نجم العشراوي، المشتبه فيه الأبرز في اعتداءات باريس وبروكسل.
(أ ف ب)