خلال مفاوضاته مع الاتحاد الأوروبي، تمكّن كاميرون، من الحصول على أغلب مطالبه، وأهمّها: منح بعض الدول الأعضاء حق الاعتراض على قوانين جديدة في الاتحاد (دون إعطائها حق الفيتو). كذلك منح حرية أكبر لبريطانيا لتكون مؤثرة على آلية وضع القوانين المالية من "مدينة لندن"، مع أنّه يلزمها بقوانين الاتحاد المشتركة للبنوك ومؤسسات الائتمان في الدول الأعضاء. ويمنع الاتفاق التفرقة أوروبياً بين الشركات (والأشخاص) بناءً على عملاتهم المحلية، كما يقر بعدم إلزام الدول غير المنضوية تحت العملة الموحّدة بتمويل خطط الانقاذ. ويختصر الاتفاق بالبند الرمزي الذي يقول: "إنّ بريطانيا لن تكون مرهونة لاتحاد أكثر تماسكاً".
مع اقتراب موعد الاستفتاء، الذي حدده كاميرون في 23 حزيران المقبل، تكاثرت الآراء المعارضة والمؤيدة، حتى وصلت بمحافظ لندن، بوريس جونسون، إلى مطالبة المجتمع المثلي بالتصويت ضد البقاء، بذريعة وجود بلاد في الاتحاد لا تحترم حقوقهم. وتوجّه معارضون (للاتحاد) آخرون، كزعيم "حزب الاستقلال" اليميني المتطرف، نايجل فاراج، إثر هجمات بروكسل، إلى إثارة موضوع المهاجرين، كتبرير للتصويت ضد البقاء في أوروبا، قائلاً إن "حرية التنقّل في أوروبا أدّت إلى حرية تنقل الكلاشينكوف". أما عضو البرلمان الأوروبي، عن حزب فاراج، مايك هوكام، فطالب "مجدداً" بتعليق اتفاق "شينغن"، ودعم الرقابة على الحدود، وإغلاق الأبواب أمام المهاجرين.
وفيما يحاول البعض تحريك الرأي العام ضد البقاء في الاتحاد، تحت ذريعة التهديد الأمني المنبثق عن توافد المهاجرين إلى أوروبا، أظهرت صحيفة "ذا غارديان" أن التهديد الحقيقي، من احتمال حدوث هجمات داخل بريطانيا، يأتي غالباً من داخل البلاد لا من أوروبا وغيرها. وأشارت الصحيفة إلى أنه في أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، كانت المملكة المتحدة الوجهة الفضلى للكثير من الإسلاميين المتطرفين، على غيرها من بلدان أوروبا، والعديد منهم كان مطلوباً في أوروبا بتهمة "نشاطات متطرفة"، ما يعني أنّ بريطانيا، في الماضي، "صدّرت" من المتطرفين، أكثر مما "استوردت".
هناك مخاوف
حول ما إن كان الاستفتاء سيأتي بنتيجة لبريطانيا

بعيداً عن ذلك، تبقى مجموعة مخاوف جديّة حول ما إن كان الاستفتاء سيأتي بنتيجة لمصلحة بريطانيا. فعلى المستوى الاقتصادي، اعتبرت رئيسة "المعهد الأوروبي للدراسات العليا في التجارة"، نويل لينوار، أنّه في حال قرر الشعب البريطاني الانفصال عن الاتحاد، "ستأخذ المفاوضات حول الآلية سنوات"، وفي حال وجدت بريطانيا نفسها خارج السوق الأوروبية (التي شكّلت 45% من صادراتها و53% من مستورداتها) فربما تفقد لندن موقعها كمركز مالي عالمي، وخاصّة أنّه سبق للعديد من المصارف التحذير من أنها قد تبحث لنفسها عن مركز جديد لها، أقرب إلى أوروبا، في حال خروج بريطانيا من الاتحاد. وأعلنت "جمعية المصرفيين البريطانيين" في دراسة أن "60% من البنوك حذرت من أن الانفصال سيؤثر سلباً على أعمالها، فيما قال 31% منهم إنهم لم يكوّنوا حتى الآن رأياً حول تأثير الانفصال على أعمالهم".
في تقرير نفذته لـ"اتحاد الصناعة البريطانية"، درست شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" سيناريوين لما قد يحدث بعد الانفصال. الأول: عقد اتفاق للتجارة مع الاتحاد مباشرةً، مع الحفاظ على الاتفاقات التجارية مع باقي العالم. النتيجة: انخفاض في الاستثمارات، وتقلّص الناتج الإجمالي المحلّي بـ3% مع حلول عام 2020. أما السيناريو الثاني: لا تعقد بريطانيا اتفاق سوق حر مع الاتحاد، فتكون مرغمة على "الالتزام بقوانين منظمة التجارة العالمية، ما سيعيد الحواجز الجمركية". وفي الحالتين، يتوقع التقرير أنّ الاقتصاد سيكون في حال أسوأ مما لو بقيت بريطانيا في الاتحاد.

تغيّر جذري في طبيعة الحكم

إذا قرر البريطانيون الانفصال، فإنّ ذلك "سيكون بمثابة ضربة هائلة للحكومة البريطانية، والمصالح التي تمثلها، إضافة إلى الشركات الدولية الحليفة"، وفق الكاتب والناشط السياسي، أنثوني بارنيت، الذي رأى أنّ "الاستفتاء قد يعرّض ويستمنستر لضربة قاسية لن تخرج منها كما كانت". وفي الوقت نفسه، توقع أن تتمكن النخبة من "احتواء الوضع في اللحظات الأخيرة".
لكن بارنيت أشار إلى أن المثير في الأمر هو أن الاستفتاء يحدث فعلاً، ما يعني أن قراراً هائلاً يفوّض الشعب باتخاذه، ما يشير إلى احتمالية أن تكون خطوة نحو الديموقراطية، لكنّها بالتأكيد إشارة إلى "انهيار قادم لنظام الحكم التقليدي". كما رأى أنّ الاستفتاء كشف عن انقسام داخل "حزب المحافظين" الحاكم. واعتبرت صحيفة "ذا تايمز" أن "البريكست لم يعد مشتتاً، بل أصبح مدعوماً بقيادة شخصيات ذات نفوذ في حزب المحافظين"، كالنائب مايكل غوف، وبوريس جونسون، وغيرهما ممن أصبحوا "يشكّلون تيّاراً جديداً للحكم". وشدد بارنيت على أنه لا يمكن الاستخفاف بهذا الانقسام، معتبراً أن الاستفتاء لا يمثّل فقط خيار البقاء أو الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بل أيضاً يمثّل "خياراً خطيراً" حول طبيعة الحكم في بريطانيا مستقبلاً.