يجتمع اليوم، في العاصمة الأميركية واشنطن، ممثّلو 50 دولة، إضافة إلى 4 منظمات دولية، في القمّة الرابعة الممتدة ليومين، والتي قد تكون الأخيرة للأمن النووي.
العنوان المعلن الذي من المفترض أن تجري مناقشته، ومن أجله أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه القمة عام 2010، هو «الإرهاب النووي». لكن يجري الحديث عن أهدافٍ أخرى يسعى أوباما لتحقيقها في نهاية ولايته، أبرزها خلق مساحة قادرة لإصدار قرارات ملزمة للدول النووية عبر هذه القمّة التي وصفها بـ«الانتقالية»، والتي قد يعرقلها رفض روسيا المشاركة.
ويتخذ موضوع «الإرهاب النووي» أهمية خاصة هذا العام، لأن موعد القمة يأتي مباشرةً بعد اعتداءات بروكسل، وفي ظلّ حديث بعض وسائل الإعلام عن أن منفذي الهجومين في المطار والمترو، المنتمين إلى تنظيم «داعش»، كان هدفهم الأول منشأةً نووية، من دون ذكر تفاصيل إضافية.
والمقصود «بالإرهاب النووي» وقوع مواد تستخدم في المنشآت النووية في أيدي تنظيمات أو لاعبين من غير الدول، والذين قد يستخدمونها لأهداف إرهابية. لكن، لم تحصل حتّى الآن حوادث من هذا النوع، لكن «يبقى خطر وقوع المواد النووية في أيدي تنظيمات حاضراً وحقيقياً، مع إظهار بعض المنظمات الإرهابية اهتماماً بحيازة معدات نووية ومعرفتهم الكيفية لفعل ذلك»، كما يشير تقرير في صحيفة «أوراسيا ريفيو». كذلك، فإنّ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، قد دعا الدول، في أعقاب اعتداءات بروكسل، إلى «تعزيز الأمن النووي» في وجه خطر «الإرهاب النووي».
ومع بقاء عنوان القمّة الأساسي خلال دوراتها الثلاث السابقة «الأمن النووي»، إلّا أنّ التركيز تبدّل بين عدّة نقاط. عند إطلاقها للمرة الأولى عام 2010، تركز الحديث في القمة على «حماية المواد النووية والعناصر الإشعاعية، مع تجنّب أو منع الإرهاب النووي». وفي قمّة سيول عام 2012، ناقش المجتمعون الأمن النووي من منطلق السلامة النووية لأنها أعقبت كارثة مفاعل فوكوشيما في اليابان. وفي عام 2014، تضمّنت القمة التي عقدت في لاهاي تركيزاً أكبر على النقاط التي نوقشت في سيول، وأبرزها تعزيز هندسة المنشآت النووية، وحماية المواد النووية من السرقة.
أمّا قمّة اليوم فـ«ستلقي الضوء على كيفية تعزيز التعاون الدولي، وإعادة النظر ببعض الالتزامات الوطنية، بالإضافة إلى تقييم كيفية تنفيذ التعهدات السابقة»، كما يشير تقرير في موقع «إيميرجنسي ماناجمنت».
إلّا أنّ الإشكالية تكمن في المقررات التي قد تصدر عن هذه القمّة. بالنسبة إلى مطلقيها، فإنّ فاعليتها تكون في مدى قدرتها على إلزام الدول بقراراتها، ومدى قدرتها على فرض عقوبات على غير الملتزمين. وهذا ما يطرحه تقرير في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركيّة، إذ ينتقد «عدم وجود خطّة فاعلة لتوجه العمل في موضوع الأمن النووي»، ويشير في الوقت عينه إلى أنّ «الالتزامات التي تخلق للعمل مع المنظمات الدولية الحالية المعنية» هي غير كافية.
في الإطار نفسه، يشير تقرير «إيميرجنسي ماناجمنت» إلى وجود «ثغرات قانونية» في العمل على الأمن النووي، لافتاً إلى دعوة البعض إلى «معاهدة ملزمة» للأمن النووي. من هنا، فقد يظهر أنّ إدارة أوباما تهدف إلى «خلق موقع تفاوضي بديل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وفق تقرير في موقع «روسيا دايركت». وقد يتعزز ذلك بعد قراءة خلفية مفهوم «مكافحة الإرهاب النووي» الذي يعتبر جزءاً «من السياسة الخارجية الأميركية منذ 12 عاماً»، وفق تقرير «روسيا دايركت»، أي ما بعد أحداث 11 أيلول 2001. ويكمل التقرير أن «الإدارة (الأميركية) الجمهورية اختارت المعركة المشتركة ضد الإرهاب النووي لتوجيه الأجندة العالمية الجديدة».
وهنا تكمن المشكلة الروسية: في تغيير «جوهر» القمّة الذي على أساسه تمت اللقاءات على مدى السنوات الست الماضية. وقد أكدت المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، سابقاً أن موسكو ترى أن «التدخل الخارجي في عمل منظمات دولية تملك خبرة كبيرة وتعتمد على إجراءات ديموقراطية غير مقبول». ورأت أن إعداد «تعليمات» للوكالة الدولية والأمم المتحدة والإنتربول وغيرها من المنظمات يعتبر محاولة لفرض رأي مجموعة محدودة من الدول على هذه المنظمات على حساب آلياتها الخاصة في اتخاذ القرارات السياسية. وأشارت إلى أن قمم الأمن النووي «قد لعبت دورها» في تحقيق تقدم كبير في ضمان الأمن النووي وأن «أجندتها السياسية قد نفدت».
وهذا ما يؤكده أيضاً ممثل روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، فلاديمير فورونكوف، في مقابلة مع موقع «روسيا دايركت»، نشرت الاثنين. قال: «من وجهة نظرنا، فإنّ مهمة إعطاء قضية الأمن النووي زخماً على المستوى السياسي قد أتمت عام 2014 في قمة لاهاي. حينها، أبلغنا زملاءنا أننا لن نشارك في مزيد من الاجتماعات المشابهة، لأننا نعتقد أن الوقت قد حان لاستكمال العمل على مستوى مهني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية». وشدد على أن القرار الروسي بعدم المشاركة «ليس عفوياً وليس له علاقة بالخلافات الأخرى في علاقتنا (العلاقة الروسية الأميركية)».
وعلى الرغم من أن البيت الأبيض يرى أنّ روسيا «عزلت نفسها» باختيارها التخلف عن القمة، لكن ما يهمّ موسكو هو تعزيز التعاون الدولي في ما يتعلّق بالأمن النووي، لكن ضمن إطار عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية «التي لا تفرض على الدول الموجودة فيها تدخلاً ضمن اختصاص الدولة الداخلي وشؤونها الخاصة»، كما يشير فورونكوف. ويتركز عمل الوكالة على حماية المنشآت النووية ذات الأغراض المدنية فقط وليس العسكرية.
تشير روسيا إذاً إلى ضرورة العمل في حماية الأمن النووي بالتوازي مع الوكالة الدولية التي لا تملك قدرة على فرض القرارات على الدول النووية. وبالتالي فإنّ «خلق منظمة نووية جديدة» لا يضمن ألّا تكون هادفة إلى اتخاذ قرارات «قمعية» وفرض نزع السلاح النووي لدولٍ تراها واشنطن «خطيرة» بحجة «الأمن النووي»، كما يشير ألكسي فينينكو في تقرير في «روسيا دايركت». ويرى فينينكو أنّ ما يحصل هو «تكرار لما حاولت الولايات المتحدة فرضه عام 1946 بخلق لجنة الأمم المتحدة للطاقة الذرية، والتي اقترحت الولايات المتحدة أن لا يتم تفعيل حقّ النقض فيها، وهو ما رفضته موسكو حينها، لأنه يعطي قدرة للولايات المتحدة على منع الاتحاد السوفياتي من صنع قنبلة نووية في ذلك الوقت».