بعد يومٍ على إعلانه، لا يزال وقف إطلاق النار في ناغورني كاراباخ صامداً حتى الآن، وذلك بعد أربعةِ أيام من المعارك التي خلفت 75 قتيلاً على الأقلّ، في نزاعٍ لا يظهر أفقٌ لحلّه قريباً مع دخول تعقيداتٍ إقليمية ودولية عليه لم تكن موجودةً في العقدين الماضيين.
في هذا الوقت، تؤكد أذربيجان سيطرتها على عدة مرتفعاتٍ استراتيجية في الإقليم، إذ أوضحت وزارة الدفاع الأذرية في بيان أن «القوات الأذرية تعمل حالياً على ترسيخ المواقع المحررة». لكن في المقابل، تؤكد يريفان أنه لا خسارة لأراضٍ في المنطقة. ولطالما سيطرت القوات المحلية في ناغورني كاراباخ على تلك المرتفعات الاستراتيجية، الأمر الذي أسهم مراراً في الحفاظ على «توازن القوى» بين الطرفين، على الرغم من تفوق أذربيجان العسكري.
ويشير تقرير نشرته «مجموعة الأزمات الدولية» إلى أنه «لو تمكنت أذربيجان من السيطرة فعلاً على تلك المناطق، فإنّ ذلك سيعطيها أفضليةً في تغيير الستاتيكو». فيما يكمل التقرير بأنّ «أرمينيا بدورها تملك مساحةً من المناورة من خلال قدرة ردع قتالية».
لكن رغم إعلان وقف إطلاق النار، إلّا أنّ النزاع في ناغورني كاراباخ لا يزال في مرحلةٍ خطرة، ما قد يؤدي إلى عودة الاقتتال في أي وقت. وما يعزز ذلك هو غموض الأسباب المباشرة التي أدت إلى اشتعال القتال منذ أيام، وتبادل الطرفين الاتهامات ببدء موجة العنف. إذ اتهم الرئيس الأرميني، سيرج سركيسيان، أمس، أذربيجان بخرق السلام «من جانب واحد عبر القيام بعمل معادٍ» وتحويل المنطقة إلى «تهديد أمني».
أما الأكيد، فهو أن التطور الأخير «يشير إلى أنّ النزاع في ناغورني كاراباخ يحظى بقابلية مرتفعة للتطوّر بشكلٍ خطر»، بحسب تقرير في «مجموعة الأزمات الدولية»، الذي يصف التطورات الأخيرة بأنها «أكثر خطورةً» مما كانت عليه في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
كذلك، فإنّ تعقيداتٍ مستجدّة على المستوى الدولي والإقليمي باتت تعرقل إيجاد حلٍّ فعليّ للنزاع، كما يشير تقرير في موقع «روسيا دايركت». إلّا أنّ التصعيد القتاليّ الأخير «لم يكن مفاجئاً، فعلى مدى سنتين، حذّر عدد من الخبراء الروس والغربيين من الوضع في ناغورني كاراباخ»، وفق ما يوضح تقرير في الموقع نفسه، نشر أول أمس. ويكمل التقرير أنّ تقريراً في المجلّة الأميركية «ناشيونال إنترست» تحت عنوان «كيفية تجنّب الحرب مع روسيا»، حذر في الفصل الرابع منه أن «نزاع ناغورني كاراباخ يبقى الأخطر في منطقة القوقاز». ويبين تقرير «ناشيونال إنترست» أن «كلاً من طرفي الصراع استقبلا عام 2016 من دون أي مؤشرٍ على التفاهم حول المسائل المفصلية».
ومباشرةً بعد إعلان وقف إطلاق النار، دعت «مجموعة مينسك» التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تترأسها الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، أرمينيا وأذربيجان إلى احترام وقف إطلاق النار، بعد اجتماعٍ عقدته في فيينا. وشدّدت المجموعة على «أهمية العودة إلى عملية سياسية على أساس وقف دائم لإطلاق النار» لإيجاد تسوية لهذا النزاع. لكن «يظهر أن العمل من طريق مجموعة مينسك قد فقد القدرة على لعب دوره في إيجاد حل للنزاع»، وفق تقرير «مجموعة الأزمات الدولية».
ووفق تقرير «روسيا دايركت»، فإنّ «مجموعة مينسك» انصبّ تركيزها على «الجانبين السياسي والقانوني للنزاع دوناً عن الجانب العسكري»، إلّا أنه «لم يعد من الممكن الفصل بين الجانبين العسكري والسياسي للنزاع»، وبالتالي يجب أن تؤخذ جميعاً في الاعتبار.
وما يؤثر أيضاً في عمل «مجموعة مينسك»، ويضيف مزيداً من التعقيدات، هو الأزمة الأوكرانية، التي، وفق التقرير، بالرغم من عدم ارتباطها المباشر بالنزاع الأذري ــ الأرمني، سببت توتراً بين روسيا والغرب، الطرفين الأساسيين في المجموعة.
وقد حاولت موسكو، ذات العلاقة الجيدة بكلّ من باكو ويريفان، على مدى الأشهر السابقة، طرح خيارات لحلّ النزاع لا تبتعد في روحيتها عن مبادئ «مجموعة مينسك»، وذلك مع سعي روسيا على «تعزيز موقعها» في منطقة القوقاز، وفق تقرير في «روسيا دايركت»، كما جرى الحديث عن إرسال روسيا لموفدين للحفاظ على السلام في الإقليم. ويكمل التقرير أن دور الوساطة هذا «قد يكون لصالح لموسكو لتعزيز دورها في المنطقة».
وقد شهد العقد الماضي زيادةً كبيرة في سباق التسلح بين أرمينيا وأذربيجان. وقد رفعت أذربيجان، التي تملك عائداتٍ كبيرة من النفط والغاز، ميزانيتها العسكرية بنحو 20 ضعفاً منذ عام 2004. وقد قال الرئيس الأذري، إلهام علييف، إن «ميزانية التسليح» في بلاده «أكبر بمرتين من ميزانية أرمينيا كلها». وتعتبر روسيا المورد الرئيسي للأسلحة لأذربيجان.
أما أرمينيا، المنغلقة بين أذربيجان وتركيا، فقد حاولت اللحاق بأذربيجان في التسلح رغم ضعفها الاقتصادي، وفق «مجموعة الأزمات الدولية». في هذا السياق، انتقد الرئيس الأرميني، سيرج سركسيان، أثناء مباحثاتٍ مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس، موسكو لأنها تبيع الأسلحة للطرفين، قائلاً إنّ «من المؤلم بالطبع بالنسبة إلينا أن تقوم روسيا ودول أخرى ببيع أسلحة إلى أذربيجان».
ويبرز أيضاً التصعيد التركي بعد اندلاع القتال في ناغورنو كاراباخ قبل أيام، في انعكاسٍ لتوتر العلاقات الروسية التركية، إذ أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، «دعمه» لأذربيجان. وصعد الرئيس التركي نبرة خطابه، أمس، حين قال إنه «إذا كانت هناك دولة تنحاز إلى أي طرف في الصراع، فهي روسيا»، وتعهد، مجدداً، بالوقوف إلى جانب أذربيجان.
ويأتي ذلك في سياق «رغبة تركيا في تقليص النفوذ الروسي في القوقاز»، وفق تقرير «روسيا دايركت»، إلّا أنّ ذلك يصطدم في كون تركيا تواجه الآن أزماتٍ مختلفة ومنها «القضية الكردية وتداعيات الأزمة السورية». من هنا، يشير التقرير إلى أن على تركيا «الحذر» من التصعيد، خصوصاً أنه إذا كانت أذربيجان جاهزة للعمل مع موسكو، «فلن تكون أنقرة أكثر حرصاً على الأمن القومي الأذري أكثر من الأذريين أنفسهم».

(الأخبار)