برازيليا | مثّل تصويت البرلمان البرازيلي، أمس، خطوة أولية غير حاسمة، لكنها ظهّرت مضامين سياسية شديدة الأهمية، أبرزها كشف الواقع الحزبي الذي شهد إرباكاً واضحاً على اثر التقلبات السريعة للقيادات، التي أدت إلى تباينات في المواقف داخل الكتلة الواحدة. كان ذلك حال حزب «الحركة الديموقراطية» الذي يرأسه نائب الرئيسة، ميشال تامر، وأيضاً «الحزب التقدمي» الذي أعلن فك الشراكة مع «حزب العمال»، الذي يقود الإئتلاف الحاكم.
«اليوم المصيري»، كما وصفته كبرى الصحف البرازيلية، كان أشبه بخلية نحل سياسية، إذ لم تهدأ الاتصالات ولا الوساطات لحسم لعبة الأرقام. المعارضة، وعلى الرغم من تطمينات «الاستفتاءات» الإعلامية لها، كانت تتعاطى بحذر شديد مع المسألة، وخصوصاً بعدما أخذت علماً بإنشاء مركز عمليات يقوده العماليون وحلفاؤهم في العاصمة، برازيليا، مهمته التواصل مع النواب المترددين، الذين سيمثّلون القوة المرجّحة في التصويت، وخصوصاً بعد تغيّب عدد من النواب، لأسباب أهمها امتناعهم عن مجاراة أحزابهم في المواقف السياسية، وأيضاً لأسباب معلنة تتعلق بالانتخابات البلدية.
ذكّر دا سليفا بانتصاره على الأزمات وبتحقيق استقرار اجتماعي

ولعل أبرز ما ميّز هذا اليوم الطويل كان التعاطي الإعلامي الاستثنائي، الذي طغت عليه تغطية النقاش البرلماني، في سابقة من نوعها في البلاد. واحتل الحدث أغلفة كبريات الصحف، فأفردت صحيفة «فوليا دي ساوباولو» مثلاً مساحة واسعة للحديث عن رد الفعل العمالي على عملية التصويت البرلماني، محذرة من أن الحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم قد يلجأ إلى تنظيم احتجاجات في كافة الولايات البرازيلية للضغط على مجلس الشيوخ ومجلس القضاء الأعلى، لدفعهما إلى إيقاف عملية الإقالة.
وعرضت قناة «إن بي إر»، المقربة من العماليين، مقاطع مؤثرة لنواب يعارضون عملية الإقالة ويصفونها بالانقلاب على الديموقراطية، مرفقة بـ«فلاشات» دعائية تحاكي إنجازات الحكومات العمالية المتعاقبة، فيما حشدت شاشة «غلوبو» الشهيرة عدداً كبيراً من المحللين والإعلاميين المؤيدين لإقصاء روسيف، وفتحت شاشتها لعشرات المراسلين في عدة مناطق برازيلية، لتغطية تفاعل الناس مع الحدث.
أما روسيف، فقد بدأت اليوم الاستثنائي ببرنامجها الاعتيادي، فامتطت دراجتها الهوائية، ككل يوم أحد، ملوحة للصحافيين لرد التحية فقط، ومتجاهلة صراخ بعضهم للتحدث إليها. بينما اقتطع نائبها الطامح، ميشال تامر، رحلة عودته إلى ساوباولو، فتوجه إلى العاصمة، بعدما بلغته معلومات عن انضمام عدد من النواب الى الكتلة العمالية، فآثر البقاء في «مسرح العمليات» لضمان بقاء أغلبية الثلثين في جبهة المعارضة.
في خضم هذا المشهد الصاخب، ظهر الزعيم العمالي والرئيس السابق، لويس ايناسيو (لولا) دا سيلفا، ليستعرض التحديات التي واجهها في مستهل عهده، قبل 14 عاماً، مذكّراً البرازيليين بانتصاره على الأزمات ونجاحه في نقل البلاد من الفقر المدقع والبطالة المستشارية إلى الاستقرار الاجتماعي وتأمين فرص العمل. ودعا لولا النواب إلى حماية الدستور، واعداً بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية، يشارك شخصياً في تحقيقها.
على الصعيد الشعبي، ظهر الانقسام واضحاً بين الناس، دون أن ينحصر بتأييد عملية الإقالة أو رفضها. فالكل مجمع على ضرورة التغيير، لكن ليس على كيفية تحقيق ذلك، ولا على البدائل المطروحة. فانتقال السلطة من روسيف إلى تامر قد يعطي نشوة للمعارضة السياسية، التي لا تعبّر قطعاً عن آمال غالبية البرازيليين بتغيير شامل، وليس باستعادة التجارب نفسها التي دفعت البلاد إلى حافة الهاوية.