برازيليا | لم تصدّق أستاذة العلوم السياسية البرازيلية المعروفة، مارليسي ماتوس، ما شاهدته ليل الأحد أثناء متابعتها «استعراض نواب المعارضة»، الذي خلص إلى النجاح في تصويت 367 نائباً لمصلحة مساءلة روسيف في مقابل اعتراض 137 نائباً وامتناع سبعة آخرين. ولم تلحظ مديرة قسم الدراسات والبحوث في جامعة «ميناس جيرايس» أي مضامين سياسية أو قانونية في مطالعات نواب من شأنها تبرير «الإقصاء»، بل شبّهت ما حدث «ببرنامج هواة» يقوم خلاله المشاركون «بإلقاء التحيات على آبائهم وأبنائهم وجيرانهم». وتقول ماتوس إنها، خلال ثماني ساعات من المتابعة، لم تقف إلا على ما يشبه الخطاب الديني، الذي أضيفت إليه في السياق شماتة سطحية سطّرها أحدهم بقوله: «فلترحل رئيسة تجرّأت على انتقاد إسرائيل».
أما رجل القانون إدواردو كاردوزو، فيشير إلى أنّ النواب لم يأتوا أبداً على القضايا الاتهامية الموجهة ضد روسيف، ولم يكلّف أحد منهم نفسه «الإتيان ولو بورقة أو وثيقة كي يتوافق الأمر مع دوره التشريعي والقانوني». وبالنسبة إلى كاردوزو، فإن تلهّي النواب «بالتعابير الشعبوية»، يكشف أن المسار كله يأخذ «بعداً سياسياً»، وأن لا وجود لقضية جوهرية أو لمسوّغ قانوني حتى تحاكم على أساسه رئيسة منتخبة من الشعب.
إذا وافق مجلس الشيوخ فستوقَف روسيف عن ممارسة مهمات منصبها

ولم يكن توصيف صحيفة «الغارديان» البريطانية لنواب المعارضة أقل حدة، إذ اتهمت الكتل المناهضة لروسيف بالعدائية، مفردةً مساحة واسعة للحديث عن قضايا الفساد التي أغرقت «مايسترو» الانقلاب، رئيس مجلس النواب إدواردو كونيا، وشريكه نائب الرئيسة، ميشال تامر. الأخير أخذه طموحه الرئاسي إلى التطرف في معاداة روسيف، وذلك بعدما شاركها السلطة منذ اليوم الأول لتسلّمها الحكم. أما صحيفة «لوموند» الفرنسية فشبّهت مداخلات النواب «بالأدوار المسرحية الهزيلة».
في حسابات البيدر، كسبت المعارضة إثر نجاحها في تمرير المشروع دون جهد يوصف. وإذا صوّت مجلس الشيوخ بأغلبية بسيطة في بداية الشهر المقبل على المضيّ قدماً في مساءلة روسيف كما هو متوقع، فسيتم وقفها عن ممارسة مهمات منصبها، وسيحل محلها نائبها ميشال تامر (اللبناني الأصل)، ليكون قائماً بأعمال الرئيس إلى حين انتهاء محاسبتها. وإذا أدينت روسيف، فسيشغل تامر منصب الرئيس إلى حين انتهاء فترة ولايتها الحالية في 2018.
وخرج مئات الآلاف من المتظاهرين من الجانبين إلى الشوارع في المدن والبلدات في مختلف أنحاء البرازيل في احتجاجات سلمية. وشاهد الملايين التصويت على الهواء مباشرة، مثلما يحدث عادة عند إذاعة مباريات كرة القدم المهمة.
في الأثناء، كانت روسيف ومساعدوها وعدد من الوزراء يتسمرون أمام الشاشة، وتركز اهتمامهم ليس على عدّ الأصوات، بل على التحسّر على هشاشة حلفائهم المنشقين الذين زايدوا على المعارضة في الهجوم على إرث «العماليين». وعلى الرغم من إعلان وزير العدل وجود دلائل تشير إلى شراء المعارضة للأصوات، واعداً بفتح تحقيق في هذا الأمر، إلا أن القيادة «العمالية» كانت تدرك أن التصويت لن يأتي لمصلحتها، وأن محاولاتها في اللحظة الأخيرة أنتجت وعوداً لم تصرف في لحظة الاستعراض الإعلامي.
وبالتالي، بدأ النقاش الجدي في مخرج يحفظ ما تبقى من إنجازات روسيف السياسية، خصوصاً أن السيناريو قد يتكرر في مجلس الشيوخ، حيث الأحزاب نفسها والحلفاء أنفسهم، فيما ذهبت الصحيفة البرازيلية «فوليا دي ساوباولو» إلى الحديث عن أنّ ميشال تامر قد بدأ فعلياً بإجراء مشاورات لتشكيل حكومته.
في النقاشات «العمالية» الضيقة، بات البحث عن الحلول لتفادي انكسار أكبر، خصوصاً بعدما تأكد للجميع أن الأكثرية لم تعد تريد بقاء روسيف حتى نهاية ولايتها. لذا، فإن الانتخابات الرئاسية المبكرة قد تكون المخرج الأسلم، نظراً إلى أنّ التحالف المناهض لروسيف في البرلمان لن يستطيع عرّابوه ترجمته خلال أي استحقاق انتخابي. والأهم أن الصفقة التي ستأتي بميشال تامر رئيساً ستُعتبر لاغية، لذا بدأ اقتراح الانتخابات المبكرة يأخذ حيّزاً كبيراً من الاهتمام. وتشير المعلومات الخاصة بـ«الأخبار» إلى أن الاتصالات قد جرت بالفعل بين قيادات «عمالية» وجهات قضائية وسياسية لبلورة هذا الاقتراح، فيما كان زعيم «حزب العمال» في مجلس النواب، جوزيه جيماريس، قد أعلن أنّ «المعركة ستستمر الآن في الشوارع وفي مجلس الشيوخ»، مضيفاً: «خسرنا لأن دعاة الانقلاب كانوا أقوى».
*****************************