إذا قرر مجلس الشيوخ في الأيام المقبلة إقصاء الرئيسة، ديلما روسيف، عن السلطة نهائياً، فإن ذلك لن يحُل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعانيها البرازيل، كما تروّج المعارضة.
على المستوى السياسي، لا يزال العماليون أقوياء شعبياً وقادرين على تعبئة أنصارهم، كما تظهر التظاهرات الأخيرة المؤيدة للرئيسة وللزعيم العمالي الأبرز، لويس إيناسيو (لولا) دا سيلفا. وهؤلاء لن يسلّموا بسهولة لتولي رموز المعارضة الحكم، خاصة أن تورط الأخيرين بقضايا الفساد لا يقلّ عن التورط المزعوم للرئيسة العمالية. وإن أُقيلت روسيف، فإن نائبها، ميشال تامر، لن يخلفها من دون مشاكل، خاصة أنه يواجه أيضاً تهماً بالفساد وسوء إدارة المال العام؛ وكان قاضٍ في المحكمة العليا قد صرّح منذ أيام بأن إجراءات الإقالة ضد تامر يجب أن تُباشر أيضاً، أسوة بروسيف.
حتى رئيس البرلمان، المعارض إدواردو كونيا، وهو المُفترض أن يتولى الحكم في حال إقالة روسيف ونائبها أيضاً، يواجه كذلك تهماً، منها تبييض الأموال، ما يدفع مراقبين إلى أن يحذّروا من أن إقالة روسيف ستُغرق المؤسسات الدستورية البرازيلية في الفوضى.
وصحيح أن حكومة روسيف نفسها قد أقرّت سابقاً باستحالة استمرار الإنفاق الاجتماعي بالمستوى نفسه، مع تدني واردات الخزينة بفعل انخفاض أسعار النفط والسلع الزراعية التصديرية؛ بل هي ذهبت إلى حد تبنّي سياسة «تقشفية». لكن أي حكومة مقبلة تحاول أن تقلص جذرياً البرامج الاجتماعية التي انتشلت ملايين البرازيليين من الفقر، كبرامج الإسكان وإعانة الأسر المعوزة، أو أن تقلّص الأجور عبر مختلف الإجراءات، كخفض الحد الأدنى للأجور وتسهيل صرف العمال، يتوقع لها مراقبون أن تواجه معارضة شعبية كبيرة.
شطب روسيف ولولا من الخريطة السياسية لا يعيد الاستقرار والنمو

وعلى أي حال، إن رحيل روسيف عن سدة الحكم لن يكون حلاً سحرياً للأزمة الاقتصادية الأسوأ التي تمرّ بها البلاد منذ عقود، حتى مع توقف «الحرب الاقتصادية» التي تشنها المصارف وكبار التجار والمضاربين لزعزعة استقرار النظام. فالمعارضة تحمّل روسيف و«حزب العمال» المسؤولية الكاملة عن الأزمة الاقتصادية، كتكتيك في سياق الحرب الإعلامية لشيطنة الحكم الائتلافي الذي يقوده العماليون، بهدف إنهاء عهده في السلطة، والعودة إلى تفرّد «قوى السوق» بالحكم، واستعادة أولوية «جذب المستثمرين» الأجانب في السياسة الاقتصادية، على حساب سيادة البلاد على قرارها السياسي وعلى مواردها الطبيعية، وعلى حساب الإنفاق الاجتماعي.
ولكن قادة المعارضة، لا بد، يعلمون بأن الحقائق الاقتصادية، المحلية والدولية، هي على غير الصورة التي كرّسوها في وعي شرائح واسعة من البرازيليين. ويرى عدد من المحللين أن افتراض انعكاس المنحى الاقتصادي المتردي للبلاد بمجرد عزل روسيف هو غير واقعي على الإطلاق.
يشير هؤلاء في هذا السياق إلى انحدار أسعار السلع عالمياً، بما فيها السلع التصديرية الأساس التي تعتمد عليها الخزينة البرازيلية، وهي السلع الزراعية والنفط الذي ستشهد الأسواق العالمية تخمة في المعروض منه على المدى المنظور، فضلاً عن الركود الذي تشهده الاقتصادات الغربية، بدرجات متفاوتة، والذي انعكس تباطؤاً في نمو الاقتصاد الصيني، أكبر اقتصاد منتج في العالم. ويشير المحللون أيضاً إلى احتمال رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة لأسعار الفائدة مرة أخرى، ما من شأنه أن يزيد من هجرة الرساميل من «الأسواق الناشئة»، ومنها البرازيل، إلى الولايات المتحدة، مفاقماً من حدة الأزمة.
ووفقاً لمقال نشره موقع «ذي بريكس بوست» في 14 من نيسان الجاري، فإن «الظروف الدولية لعبت أيضاً دوراً في التدهور الاقتصادي للبرازيل، كما في جميع الأسواق الناشئة، وعزل روسيف لن يغيّر في ذلك». وينقل الموقع عن البروفيسور في الاقتصاد في جامعة برازيليا، جورج أرباش، قوله إن «الحلول السياسية هي شرط لازم، ولكن غير كافٍ»، لتعافي اقتصاد البلاد، وإن البرازيل كانت منذ أمد بعيد تحتاج إلى «نموذج تنموي جديد». وحول هذه النقطة تحديداً، ينقل الموقع تحذير البروفيسور في الاقتصاد السياسي في جامعة لندن، ألفريدو سعد فيلهو، من أن «شطب روسيف ولولا من الخريطة السياسية لا يعني أن عودة الهيمنة النيوليبرالية ستمكّن أوتوماتيكياً من استعادة الاستقرار السياسي أو النمو الاقتصادي».