بعكس ما يعتقد كثيرون، تبقى انكلترا ــ رغم كل نتائجها السيئة في البطولات الكبيرة أخيراً ــ من المرشحين للفوز بكأس العالم 2018. ورغم أن التجربة أثبتت أن الإنكليز لا يملكون الشخصية القوية في أوروبا لمنتخبات مثل ألمانيا وإيطاليا، يبقى المنتخب الإنكليزي منتخباً شاباً وصاحب طموحات كبيرة، يقتات لاعبوه من نجاحاتهم «المحلية» مع أنديتهم في «البريميير ليغ»، والاهم ان المدرب غاريث ساوثغايت وجد الترياق المناسب لتظهير أدائهم الفردي في صورة جماعية ــ حتى الآن ــ فهل ينتهي الانتظار الممتد منذ عام 1966 ويحمل الانكليز الكأس الذهبية؟ في إنكلترا علّقوا الآمال على منتخبهم هذه المرة، كما اعتادوا أن يفعلوا كل مرة.قبل كل نسخة من كأس العالم، يبدأ الاعلام الانكليزي ببثّ جرعات التفاؤل في نفوس الرأي العام تحت عنوان كلاسيكي: هذه السنة سنتنا. لم تصب توقعات هذا الاعلام منذ 1986 تحديداً، عندما شعر الانكليز وقتذاك بأن غاري لينيكر سيقودهم الى اللقب العالمي بعد 20 عاماً على إنجازهم الوحيد، والمثير للجدل حتى اليوم، عندما رفع جيف هيرست ورفاقه كأس العالم على حساب الالمان. في 1986 أوقف مارادونا طموحاتهم عند حدّها، وأعادهم إلى الواقع. لكن اليوم، وقبل اسابيع قليلة على انطلاق المونديال في روسيا، يمكن للاعلام الانكليزي الحَذِر هذه الايام في الحديث عن منتخب «الأسود الثلاثة»، استحضار عنوانه المعروف سلفاً للحديث عن امكانية اضافة انكلترا كأساً ثانية الى خزائنها، في مفاجأة اذا ما حصلت فإنها ستضرب كل التوقعات التي تسبق العرس الكروي. مفاجأة من عيار ثقيل، إن حدثت.
وبالفعل، رأى كثيرون ان تعيين الاتحاد الانكليزي للمدافع السابق غاريث ساوثغايت في منصب المدير الفني للمنتخب هو استسلام مبكر وفقدان لأي املٍ بتحقيق انجازٍ ما في المونديال الروسي. فكرة قد يكون فيها شيء من الصحة، إذ إن انكلترا بحثت دائماً عن مدرب صاحب «بروفايل» كبير حتى لو لم يكن انكليزياً، فكان استقدام الايطالي فابيو كابيللو والسويدي زفن غوران إريكسون من دون ان يتمكنا من تغيير الصورة النمطية التي عرفها العالم عن الانكليز، وهي انهم ليسوا بحجم المنتخبات الكبيرة الاخرى. واذا ما اتفق كابيللو وإريكسون على شيء لدى خروجهما من منصبيهما فهو ان «مهد الكرة» لا تملك جيلاً جديداً او موهوباً. لكن اليوم مع ساوثغايت يمكن القول إن الآية تبدّلت مع ظهور جيلٍ جديد بنوعية اكثر من جيّدة، ترك عناصره بصمةً مهمة على صعيد الاندية في سنٍّ صغيرة، وهو ما يمكن للمدرب البناء عليه كونه عايش منتخبات الفئات العمرية قبل وصوله الى المنتخب الاول مدرباً مؤقتاً ثم اصيلاً.
يعلم ساوثغايت ان مفتاحه الدفاعي الاول هو ظهير أيمن مانشستر سيتي كايل والكر


ومما لا شك فيه ان ساوثغايت يعلم بأن لاعبيه تعوزهم الخبرة الضرورية على الساحة المونديالية كون غالبيتهم يخوضون غمار كأس العالم للمرة الاولى في مسيرتهم القصيرة، لكن رغم ذلك فهو يؤمن بأنه يمكنه احداث صدمة من خلال الجوع الموجود لدى «الأسود»، والذين يمكنهم ان يأخذوا جرعة معنوية انطلاقاً من نتائج ايجابية متاحة في دور المجموعات، إذ بعيداً من بلجيكا القوية، تضمّهم المجموعة السابعة الى منتخبي بنما وتونس (القادر على إحداث مفاجأة). لكن عموماً، تبدو «مجموعة الحياة» لا الموت لانكلترا، ما يجعل حجم التفاؤل يزداد في بلاد «البريميير ليغ»، إذ إن البداية الجيّدة هي الاساس لانطلاقة نحو الادوار المتقدّمة، حيث يؤمن الانكليز بأنه بوجود لاعبين مثل هاري كاين ورحيم سترلينغ وديللي آلي، يمكنهم قلب الطاولة على اي منتخبٍ كبير.

المفاتيح الاساسية
بطبيعة الحال، لا يتوقع ان يخرج ساوثغايت عن استراتيجية الـ 4-3-3 التي بنى من خلالها منتخباً متماسكاً ومتوازناً في الخطوط الثلاثة. وفي كلٍّ من هذه الخطوط مفتاح اساسي من دونه لن يتمكن هذا المنتخب من الحفاظ على توازنه، وبالتالي لن يتمكن من تحقيق المطلوب، وهو امر كان بالامكان لمسه خلال المشوار الانكليزي في التصفيات المؤهلة الى المونديال. من هنا، لا شك في ان العبارة الشهيرة للمدرب الكبير «السير» الاسكوتلندي أليكس فيرغيسون تدور في ذهن ساوثغايت في كلّ مرة يضع فيها الاحتمالات لخطّ تشكيلته الاساسية: «الهجوم يجعلك تفوز بالمباريات، لكن الدفاع الجيّد يمنحك الفوز بالالقاب».
من هنا، يعلم ساوثغايت ان مفتاحه الدفاعي الاول لايقاف المهاجمين الخطرين هو ظهير أيمن مانشستر سيتي كايل والكر الذي اعتاد تقديم اداء ثابت طوال الاعوام الثمانية الناجحة التي قضاها مع توتنهام قبل ان يحط في العام الماضي مع «السيتيزنس». والكر هو اكثر اللاعبين الذين يشبهون الظهير السابق غاري نيفيل من حيث القوة الدفاعية في المواجهات الفردية، لكنه بلا شك كسب سمعة هجومية اهم من نجم مانشستر يونايتد السابق، في وقتٍ بدا فيه هذا الموسم افضل دفاعياً تحت قيادة غوارديولا حيث يعدّ بين اكثر اللاعبين نجاحاً في التدخلات المباشرة والمواجهات الفردية، وكذلك اكثر المدافعين نجاحاً في التمرير (بلغ معدله 71.56 تمريرة صحيحة في المباراة الواحدة هذا الموسم). مفتاحٌ آخر قد يكون «مفتاح الباب» الى الممر المؤدي الى منصة التتويج هو آلي. هذا اللاعب يعدّ اليوم احد اهم المواهب الصاعدة في العالم، وذلك من خلال مهاراته الاستثنائية وجرأته في المباريات، وحسّه التهديفي الذي كان مسألة نادرة الوجود عند لاعبي الوسط الانكليز. لكن يفترض بآلي أن يلتقي مع المديح الذي كيل له طوال الموسمين الاخيرين، لا ان يسقط في فخ النجومية كما حصل مع مفتاح آخر في تشكيلة ساوثغايت وهو رحيم سترلينغ. الأخير عاد الى مستواه بفعل الموسم المميّز الذي قدّمه مع بطل انكلترا هذا الموسم، ليعود ويظهر بصورة «الغولدن بوي» تماماً كما ظهر قبل 4 اعوام، وذلك بعد استقراره مع مانشستر سيتي ومعرفته لدوره الحقيقي في الفريق، وهي المسألة المنوطة بساوثغايت في المنتخب لتحديد هوية سترلينغ الدولية، والأصح: تحديد هوية انكلترا الدولية! يأمل الانكليز هذه المرة ان تصيب ترجيحاتهم، وذلك بعد سلسلة خيبات لا متناهية جعلت من ابناء بلاد الملكة يفكّرون في كأس العالم على انها رحلة استجمامية واستكشافية الى بلدٍ جديد، لا اكثر.



◄ المفتاح الذهبي
بلا شك نتحدث عن هاري كاين، الذي لا يمكن لانكلترا تخيّل نفسها من دونه. هو ببساطة افضل مهاجمٍ محلي في البلاد، وأحد افضل المهاجمين الفتّاكين في العالم حالياً. شابٌ هداف بسنٍ صغيرة، وبقدرات قيادية منحته شارة قيادة منتخب «الأسود الثلاثة» بعد موسمين متتاليين سيطر فيهما على لقب الهداف في «البريميير ليغ». هو يعيد الى الاذهان صورة لينيكر وألن شيرر بموهبته الفطرية، التي يقول البعض انها من طراز المدرسة التقليدية الانكليزية التي تُخرّج مهاجمين مميزين داخل الصندوق، لكن الاكيد ان كاين طوّرها ليصبح نسخة محدّثة من خلال إجادته الجري بالكرة والمراوغات والرؤية الشاملة التي يعقبها التمرير الصحيح او التسديد الناجح من بعيد.


دوري الأضواء
أي متابع للدوري الإنكليزي لكرة القدم «بريميرليغ» لا يكاد يصدّق وضع المنتخب الإنكليزي لكرة القدم عبر السنوات، ومستوى مشاركاته الخارجيّة، وبطولاته على مستوى العالم وأوروبا. يُعتبر الدوري الإنكليزي في الميديا من الأفضل، ولأسباب تتعلق بالنقل التلفزيوني والأجور المرتفعة، يعتبر الأكثر إثارة. هنا يُمكِننا التحدّث عن وجهتي نظر في كرة القدم بالنسبة إلى البريميرليغ؛ الأولى تقول إن الدوري الإنكليزي هو الأقوى على مستوى العالم، وهي قطعاً لا يمكن أن تجانب الصواب، بينما الثانية تَعتبر أن ما يميّز هذا الدوري هو الإبهار الذي يُقدَّم، وهي نقطة «معقولة» نسبياً. وذلك لاعتماد دوريات أخرى على خطط و«تكنيك» عال مثل الدوري الإيطالي أو الإسباني، الدوريان المنتجان للمواهب. وبعيداً عن كل هذه التحليلات ووجهات النظر المتعدّدة، يبقى الرأي الوحيد الذي يلاقي إجماعاً هو ضعف المنتخب الإنكليزي قاريّاً ودوليّاً.


غوارديولا يهدي انكلترا المونديال!
يحكي الانكليز عن تأثير المدرب الاسباني جوسيب غوارديولا، لكن هذه المرة لا في كرتهم المحلية او في مانشستر سيتي الذي قاده الى لقب الدوري الانكليزي الممتاز، بل في المنتخب! مجرد وجود «بيب» في انكلترا يبعث التفاؤل، اما السبب فهو غريب بعض الشيء ومبني على نظرية حالمة قد تصيب وقد تخيب. فالمفارقة التي يدور الحديث حولها هنا هي لا في تأثّر مدربَي منتخبَي اسبانيا والمانيا على التوالي بأفكار مدرب برشلونة السابق والتي ساعدتهما بلا شك للفوز بالنسختين الاخيرتين في كأس العالم، بل بوجود غوارديولا في البلاد فقط. ففي عام 2010 قاد «بيب» برشلونة الى الفوز بلقب الدوري الاسباني، لتفوز بعدها اسبانيا باللقب العالمي بالهدف الشهير للاعب «البرسا» أندريس إينييستا في النهائي امام هولندا. وفي عام 2014، قاد «بيب» بايرن ميونيخ الى الفوز بلقب الدوري الالماني، لتفوز بعدها المانيا باللقب العالمي بهدفٍ وحيد سجله لاعب الفريق البافاري عامذاك ماريو غوتزه في مرمى الارجنتين. ماذا عن عام 2018؟ ها هو غوارديولا يقود مانشستر سيتي الى الفوز بلقب الدوري الانكليزي، لينتظر الكل مصادفة قد تحصل وتُختصر بتسجيل رحيم سترلينغ هدفاً ذهبياً في النهائي يهدي انكلترا لقبها المونديالي الثاني.