ألمانيا لم تعد ألمانيا، لكنها تبقى «الماكينات الألمانية». عبارةٌ محيّرة بلا شك، لكنها تعكس واقع حاضر وتاريخ «المانشافت» في نهائيات كأس العالم.ألمانيا، وقبل الدخول إلى مونديال قطر 2022، لا تبدو بوضعٍ طبيعي أو بوضعٍ يمكن أن يُقال عنها بأنها من المرشحين الأوائل لإحراز اللقب الذي توّجت به للمرة الأخيرة عام 2014 بعد مشوارٍ رائع على الأراضي البرازيلية.
لكن في المقابل، لا يمكن إسقاط فكرة بأن الألمان، ورغم الخروج المخيّب من دور المجموعات في المونديال الماضي، يصنعون دائماً المفاجأة ويحققون النتائج من خارج التوقعات، لذا لا يجب استبعادهم أبداً من الحسابات والترشيحات.

الخروج من الصدمة
لا يخفى أن فقدان «المانشافت» للقبه باكراً في مونديال روسيا الأخير، خلق صدمة حقيقية وترك تأثيراً سلبياً على شخصية المنتخب الذي فقد الثقة بنفسه إلى حدٍّ ما، ليقف في المركز الـ11 على لائحة تصنيف «الفيفا» للمنتخبات.
هذه الثقة المفقودة أوقعت الألمان حتى في فخ الخسارة أمام منتخبٍ متواضع مثل مقدونيا الشمالية خلال مشوار التصفيات المونديالية حيث كانت الخسارة الوحيدة لهم مقابل 9 انتصاراتٍ حققوها مسجلين 36 هدفاً رغم معاناتهم عملياً من غياب رأس الحربة الحقيقي، فسجّل كلّ من سيرج غنابري، إيلكاي غوندوغان، وتيمو فيرنر 5 أهداف كأفضل هدافي المنتخب.
لكن الخروج من الصدمة متاح بمجرد وجود هانزي فليك مدرباً، وهو الذي حلّ مكان يواكيم لوف بعد كأس أوروبا، وقد عمل سابقاً مساعداً للأخير في مونديالَي 2006 و2014، ما يعني أنه يعرف أكثر من غيره متطلبات الفوز باللقب العالمي.
روح نجاحات فليك التي تطوف حول المنتخب الألماني تمدّه بالقوة، فهو الرجل الذي حقق نجاحاً باهراً مع بايرن ميونيخ فائزاً معه بسبعة ألقاب بينها ثلاثية الدوري والكأس المحليين ودوري أبطال أوروبا. وفي مشواره مع بايرن لم يخسر فليك إلا في 7 مباريات، محققاً واحداً من أعلى نسب النجاح لمدربٍ في تاريخ كرة القدم وبلغت 82٪.
بوادر إيجابية لدى المنتخب الألماني لكن من دون ضمانات حاسمة


فليك بأفكارٍ خاصة
كيف سيلعب الألمان في المونديال؟ سؤالٌ يحيّر كل المتابعين ولو أن مقاربة فليك الاستراتيجية باتت معروفة بحيث أنه سيعتمد على رسمٍ تكتيكي 4 ـ 2 ـ 3 ـ 1 يركّز هجوماً على وجود مهاجمٍ وهمي بسبب غياب رأس الحربة الفعلي اثر إصابة فيرنر وغيابه عن العرس العالمي، ليلعب هذا الدور على الأرجح كاي هافرتز أو سيرج غنابري، علماً أن الاثنين يمكنهما شغل مركزٍ على الجناح أيضاً، وهو المركز الذي افتقد مرةً جديدة إلى نجمٍ تألق في بداية الموسم لكن لعنة الإصابة فتكت به مجدداً وأبعدته عن بطولةٍ كبرى أخرى، وهو قائد بوروسيا دورتموند ماركو رويس.
هجوم الألمان ليس بالسيئ أصلاً مع ظهور لاعبي الوسط أخيراً بحالةٍ تهديفية جيّدة، وتحديداً ثنائي بايرن ميونيخ جمال موسيالا وليون غوريتسكا، لتصبح المرونة الهجومية أكبر بوجود لوروي سانيه والمخضرم توماس مولر، ويضاف إليهم طبعاً أهمية الدور الذي يلعبه في الناحيتين الهجومية والدفاعية جوشوا كيميتش وغوندوغان.
طبعاً هذا العرض الفني ليس بالنهائي لأن نقطة ضعف المنتخب الألماني تكمن في الظهيرين، ما قد يجبر فليك على الذهاب نحو استراتيجية 3 ـ 5 ـ 2، لكن الأهم هو اختياره المناسب لشريكَي أنطونيو روديغر الذي يعدّ الأفضل بين قلوب الدفاع الذين يقفون أمام الحارس مانويل نوير.

انفصام الألمان
إذاً هناك بوادر إيجابية، لكن الوضع عامةً لا يعكس ضمانات حاسمة، والدليل أن فريقاً يفوز على إيطاليا بنتيجة (5 ـ 2) ثم يسقط أمام المجر، لا يمكن أن يترك راحةً عند محبيه. لذا فإن المباراة أمام اليابان مثلاً هي بأهمية لقاء القمّة ضمن المجموعة نفسها مع المنتخب الإسباني. كيف لا، و«المانشافت» كان قد خرج على يد كوريا الجنوبية في مونديال روسيا، وهو حتى الآن لا يملك ثباتاً على صعيد المستوى رغم أنه يملك كل الإمكانات لتخطي هذه المسألة.
هذا الخروج بالتحديد لا بدّ أن يشكّل دافعاً لإعادة إطلاق العنان لما أطلق عليهم دائماً منتخب «الماكينات»، ووقودهم سيكون وفرة اللاعبين الذين يخوضون مونديالهم الأول، إذ إن الأكيد أن الاعتماد الرئيس لن يكون على خبرة نوير ومولر بل على الدافع المتمثّل بسعي الشبان نحو إثبات ما قيل دائماً بأنهم أركان الجيل الذهبي الجديد الذي سيُعيد اللقب إلى برلين.
أمرٌ ممكن رغم قوة المرشحين الأساسيين، لكن وكما في كل بطولة لا بدّ من استذكار مقولة النجم الإنكليزي السابق غاري لينيكر عندما قال تعليقاً على التفوّق الدائم لألمانيا في زمنه لاعباً: «كرة القدم لعبة سهلة. 22 لاعباً يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة، وفي النهاية يفوز الألمان دائماً».
فهل يفعلوها للمرة الخامسة في تاريخهم؟ الجواب في الدوحة.