لا توفّر أميركا فرصة إلا وتحاول من خلالها تسجيل نقاط ضد من يرفض الرضوخ لها ولإملاءاتها. واختارت واشنطن هذه المرة نهائيات كأس العالم لكرة القدم للتصويب على إيران، إلا أنها عادت وتراجعت عن فعلتها بعد خروج مئات ملايين المعترضين على فعلتها غير الأخلاقية وغير الرياضية على حدّ سواء.وفي التفاصيل، فقد نشر حساب المنتخب الأميركي لكرة القدم، ترتيب المجموعة الثانية التي يشارك فيها، بعد ختام مباريات المنتخبات في الجولة الثانية، ضمن نهائيات كأس العالم قطر 2022، وظهر العلم الإيراني في الصورة المنشورة، بدون لفظ الجلالة «الله» في وسطه.
لقيت الصورة ردود أفعال غاضبة من الجمهور الإيراني، ومئات الملايين حول العالم، إذ تعدّى عدد التعليقات على «تويتر» 9 آلاف تعليق في غضون ساعات قليلة، طالب المشجعون من خلالها الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» باتخاذ إجراءٍ ضد الاتحاد الأميركي، بسبب ما اعتبروه إهانة لإيران وللدين الإسلامي على حد سواء. تصرف رد عليه الاتحاد الإيراني لكرة القدم مطالباً «فيفا» بمعاقبة الاتحاد المنتخب الأميركي وفقاً للوائح الاتحاد الدولي، وبحسب وكالات الأنباء الإيرانية فإن القانون في هذه الحالات ينص على إيقاف منتخب الاتحاد المسيء 10 مباريات بسبب انتهاك الهوية الوطنية والدينية.
ردود الفعل الغاضبة التي «اجتاحت» وسائل التواصل دفعت الاتحاد الأميركي إلى التراجع عن فعلته غير الأخلاقية، فعاد ونشر بياناً يُفسّر فيه سبب إزالة لفظ الجلالة، وقال: «قرّرنا التخلّي عن العلم الرسمي (لإيران) لإظهار الدعم للنساء اللواتي يناضلن من أجل حقوق الإنسان الأساسية».
وعاد الاتحاد الأميركي لينشر الترتيب بصورة العلم الإيراني الرسمي، عصر أمس على موقعه الإلكتروني، وأردف الاتحاد قائلاً: «أردنا أن نُظهر دعمنا للنساء في إيران عبر تصميم خاص لـ24 ساعة». والأكيد أن هذا الرد بيّن النوايا الحقيقية للأميركيين الذين أرادوا الإساءة منذ البداية.

كيروش يردّ بقوة
وفي سياقٍ مشابه، انتقد الألماني يورغن كلينسمان، العضو في مجموعة الدراسة الفنية لـ«فيفا»، ومدرب المنتخب الأميركي من عام 2011 إلى عام 2016، تصرّفات الإيرانيين خلال الفوز المتأخر على ويلز (2-0)، الجمعة الفائت. وتحدّث المدرب السابق في تحليل فني لشبكة «بي بي سي» عن سلسلة من الأخطاء وعن سلوك الجهاز الفني الإيراني أثناء المباراة، معتبراً أن ذلك كان جزءاً من إستراتيجية مدروسة لجعل الخصم «يفقد تركيزه». وقال كلينسمان إن ما حصل «ليس بالصدفة. هذا كله حصل عمداً. هذا جزء من ثقافتهم، هكذا يلعبون. ينهكون الحكم. لقد شاهدت مقعد البدلاء (اللاعبين الاحتياط وطواقم الفريق) يقفزون دائماً ويزعجون مساعد الحكم والحكم الرابع إلى جانب الملعب».
وردّ مدرب المنتخب الإيراني، البرتغالي كارلوس كيروش، على كلينسمان، عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، فكتب: «على الرغم من أنك لا تعرفني شخصياً، أنت تشكك في شخصيتي بحُكم نمطي متحامل ينمّ عن فوقية». وتابع: «بغضّ النظر عن مدى احترامي لما فعلته داخل الملعب، فإن هذه التصريحات حول ثقافة إيران والمنتخب الإيراني واللاعبين هي وصمة عار على كرة القدم»، مشدداً على أنه «لا يمكن لأحد أن يمس بنزاهتنا». ودعا المدرب السابق لمنتخبات البرتغال ومصر وكولومبيا، كلينسمان لزيارة مقر معسكر المنتخب الإيراني في مونديال قطر «للاستماع إلى مدى حبهم واحترامهم لكرة القدم» على الرغم من الانتقادات «الشائنة». لكنه اشترط استقالة الألماني من منصبه في «فيفا» كي يكون مرحّباً به بين اللاعبين الإيرانيين، متوجهاً إلى كلينسمان بالقول: «نريد أن نتابع باهتمام كامل قرار فيفا بشأن منصبك كعضو في مجموعة الدراسة الفنية لقطر 2022. لأنه من البديهي أن نتوقع منك الاستقالة قبل أن تزور معسكرنا».
عاد الاتحاد الأميركي ونشر العلم الإيراني مع لفظ الجلالة بعد الاعتراضات الكبيرة التي وُجهت إليه


من جهته طالب الاتحاد الإيراني باستقالة كلينسمان من وظيفته في «فيفا»، قائلاً في بيان له أمس: «إلى جانب العديد من الاعتبارات المؤسفة في ما يتعلق بالمنتخب الوطني الإيراني وطاقمه، أصدر السيد كلينسمان أحكاماً بشأن الثقافة الإيرانية»، مضيفاً: «تقدّم الاتحاد الإيراني لكرة القدم بالفعل بطلب إيضاحات من فيفا وباعتذارات وإقالة السيد كلينسمان من مجموعة الدراسات الفنية في فيفا». وتابع الاتحاد أن «كلينسمان، بصفته ألمانياً، لن يُحكم عليه في أكثر الأحداث المخزية في تاريخ كأس العالم. عندما رتّبت ألمانيا الغربية والنمسا نتيجة» في مونديال 1982 على حساب الجزائر من أجل أن تتأهّلا معاً إلى الدور الثاني بفوز الأولى (1-0)، ولا على «سقطاته الاستعراضية الشهيرة» في منطقة جزاء الخصم ولا على «أي مسألة سياسية أو تاريخية مرتبطة ببلاده».
وحاول كلينسمان أن يُبرّر أقواله، في مقابلة أجراها أمس أيضاً مع «بي بي سي»، قال فيها: «تصريحاتي أُسيء فهمها واقتُطعت من سياقها». وأضاف أنه يرغب في التحدّث مع كيروش قائلاً: «سأحاول الاتصال به، لتهدئة الأمور».
ورأى كلينسمان أنه لم ينتقد كيروش واللاعبين البدلاء على مقاعد الاحتياط، بل «وصفت سلوكهم بالحماسي فقط، وهو مثير للإعجاب، لأن مقعد الاحتياط الخاص بهم يعيش المباراة خارج الملعب. إنهم يقفزون تفاعلاً مع الأحداث، وكارلوس مدرب عاطفي جداً، ويحاول دائماً شحن لاعبيه من على خط التماس».
حاولت أميركا الضغط على لاعبي المنتخب الإيراني قبل لقائهما المقرر غداً الثلاثاء (الساعة 21:00 بتوقيت بيروت)، إلا أن الرد جاء حاسماً، والأكيد أن مباراة الغد ستحمل معها الكثير من المشاهد التي ستضفي عليها ندية إضافية، في ظل حاجة إيران إلى التعادل فيما لا تستفيد أميركا سوى من الفوز لمحاولة العبور إلى الدور الثاني.