بعدما تبين للرياض أن ثلاثة أسابيع من القصف والغارات لم تحقق أي هدف سياسي، لا على مستوى تراجع «أنصار الله»، ولا على مستوى تقدم الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي. وأمام تراجع الحماسة الإقليمية والدولية للمشاركة في العدوان، سارعت حكومة آل سعود إلى التقدم عبر مسقط بما سمته مبادرة لتسوية سياسية.
لكن الأفكار الواردة فيها أعادت تكرار الموقف نفسه:
- وقف إطلاق النار داخل الأراضي اليمنية ووقف غارات قوى التحالف.
- إعلان «أنصار الله» استعداداً فورياً للانسحاب من كافة المدن اليمنية في الجنوب والشمال والغرب والشرق.
- تنظيم طاولة حوار يمني - يمني برعاية الأمم المتحدة ومشاركة أطراف من دول الجوار.
- الموافقة على قيام حكومة انتقالية برئاسة خالد البحاح، وتكون بمشاركة «أنصار الله».
لكن الأفكار السعودية ليس فيها جديد سوى تجاهل الحديث عن الرئيس الفار، وعدم الإتيان على أمور تفصيلية أخرى.
مسقط التي تقود عمليات التنسيق بين جميع الأطراف، سمعت رداً سريعاً من جانب «أنصار الله»، فيه رفض للطلبات السعودية، والعودة إلى تأكيد الموقف المقابل:
- وقف فوري ونهائي للعدوان بكافة أشكاله.
- فك الحصار الجوي والبحري.
- ترك ملف الحوار اليمني - اليمني لأهل اليمن دون أي تدخل.
- وضع جدول أعمال لعلاقة اليمن بدول الجوار يجري بحثه من قبل وفد يمني يشكل في صنعاء مع وفد من الدولة أو الدول المعنية.
وقد جاء خطاب السيد عبد الملك الحوثي قبل يومين ليحسم النقطة المتعلقة برفض أي تدخل خارجي في الحوار اليمني - الداخلي. علماً بأن جماعة «أنصار الله» أكدت احترامها كل التفاهمات التي كانت قائمة قبل بدء العدوان من خلال التفجيرات الانتحارية في صنعاء والاغتيالات التي حصلت في عدة أماكن. وكررت الجماعة لوسطاء، أن السؤال الذي لا يجيب عنه النظام السعودي يتعلق بسبب عدم قصف طيران التحالف لتجمعات «القاعدة» في المكلا ومناطق اخرى.


لجنة علي ناصر محمد

ومع أن الأجواء لا تشير إلى تقدم جدي على مستوى المبادرات، إلا أن المعنيين لا يزالون يبحثون في أكثر من صيغة. ويبدو أن هناك عواصم معنية بالأزمة تشجع شخصيات وأطرافاً على التحرك، أبرزها مصر وتركيا وإيران، إضافة إلى أطراف في دول خليجية مثل قطر والإمارات.

مسقط نقلت مبادرة - مناورة سعودية وأنصار الله ترفضها


وعلم في هذا السياق، أن الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد، عقد لقاءات خلال الأسبوعين الماضيين في مصر والإمارات ولبنان، وهو يعد بالتعاون مع شخصيات رسمية وسياسية على تشكيل لجنة تضمه ورئيس الوزراء الأردني السابق عبد السلام المجالي، والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، والمعارض المصري محمد البرادعي، والقيادي في حركة فتح عباس زكي، وبالتعاون مع شخصيات من دول الخليج.
وبحسب المعطيات، فإن هذه اللجنة ستدرس التحرك باتجاه عدد من العواصم العربية والإقليمية، لتسويق مبادرة تركز على وقف العدوان وإطلاق حوار يمني - يمني، ويمني - خليجي، تمهيداً لإضافة البعد العربي على الحوار من خلال الجامعة العربية.
ويتضح أن هذا التحرك يحظى بدعم جدي من القيادة المصرية، وكذلك من إيران، كذلك يحظى بموافقة قيادات بارزة في دولة الإمارات والكويت وقطر، وسط معلومات عن أنه يوجد في داخل عائلة آل سعود من لا يمانع هذا التحرك.


أميركا وإيران: لا تواصل

ومع أن الاتصالات لم تصل بعد إلى بلورة شاملة لشكل اللجنة وطبيعة تحركها، إلا أن مصادر متابعة لفتت إلى أن المشكلة الرئيسية في كل الاتصالات الجارية، تكمن في أنّ الطرفين الأكثر تأثيراً في الأزمة اليمنية اليوم، هما الولايات المتحدة وإيران، ولا يوجد بين الطرفين أي تواصل أو بحث يتعلق بهذه الأزمة.
وقالت المصادر إنه لا يبدو أن إيران على الأقل، متحمسة لإدارة حوار مع الولايات المتحدة حول أي شيء آخر قبل توقيع الاتفاق النووي. ويبدو أن إدارة الرئيس باراك أوباما تهتم هي الأخرى لعدم إدراج ملفات من شأنها تعقيد الموقف بشأن الملف النووي.
لكن المصادر دعت إلى التدقيق، في مضمون البيانين الصادرين عن البيت الأبيض وعن الصين بعد الاتصالين بين ملك آل سعود ورئيسي أميركا والصين. الرئيس باراك أوباما شدد على ضرورة توفير «الحل الدائم للأزمة في اليمن»، بينما ركزت بكين على «أنه لا خيار غير الحل السياسي».


خطر «القاعدة»


مصر تغطي تحركاً لعلي ناصر محمد نحو حل يمني - خليجي


وفيما تستمر المواجهات العسكرية بين الجيش اليمني مدعوماً باللجان الشعبية التابعة لـ«انصار الله» وبين مقاتلين ينتمون إلى ميليشيات محلية داعمة للعدوان، وآخرين من تنظيم «القاعدة»، فإن الخشية من مستقبل الوضع الميداني جنوباً، صارت حاضرة على طاولة عواصم إقليمية ودولية أبرزها مصر والولايات المتحدة. وتبين أن المصريين، بدعم أميركي، أبلغوا الرئيس الفارّ خلال وجوده في شرم الشيخ، بأن القرار محسوم بعدم تسليح ميليشيات الجنوب، لأن الخشية كبيرة من أن تذهب الأسلحة إلى أنصار «القاعدة»، بينما يضع أوباما هذا البند على جدول أعمال لقائه مع قادة دول الخليج.
مع العلم أن الأميركيين تدخلوا خلال الساعات الـ48 الماضية، مع النظام السعودي لأجل منع تعاظم نفوذ «القاعدة». وقد انعكس الأمر، بلاغاً عاجلاً تلقاه أنصار العدوان في الجنوب بعدم التعاون مع مقاتلي «القاعدة»، بل العمل على طردهم من المقارّ العسكرية والأماكن التي يسيطرون عليها في محافظتي مأرب وحضرموت. حتى إنه جرى الحديث أمس عن إشكالات بدأت بين مجموعات تتبع لحزب الإصلاح (الاخوان المسلمين) وأنصار «القاعدة»، برغم أن قيادات تتبع للأخيرة عرضت تعديل اسم مجموعاتها ليكون «تجمع أبناء حضرموت»، على أن تكون جبهة مشتركة على طريقة ما يحصل في سوريا.
ومع ذلك، فإن برامج الجيش واللجان الشعبية لبسط السيطرة على مناطق الجنوب مستمرة. وتحقق أمس تقدم كبير في محافظة مأرب، حيث بات الجيش على بعد كيلومترات قليلة من مركز المحافظة، وحصلت سيطرة تامة على مثلث «الوضيع» في محافظة أبين، ما يسمح للتقدم نحو مركز مديرية الوضيع (مسقط رأس الرئيس الفار هادي) كما يقود نحو منطقة أحور في الطريق الى محافظة حضرموت.
وفي مأرب برزت تطورات أدت إلى تأخير العمليات، من بينها السعي إلى إقامة هدنة لإصلاح أعطال في محطة الكهرباء المركزية التي تتغذى منها جميع محافظات الشمال. أما في تعز، فقد عولج القسم الأكبر من تمرد اللواء 35.

السعودية وأنصارها


إيران ترفض محاورة أميركا حول اليمن قبل توقيع الاتفاق النووي

في هذه الأثناء، واصل النظام السعودي محاولته استمالة القبائل والأحزاب اليمنية مع التركيز على مناطق الجنوب. وتداولت أوساط إعلامية ودبلوماسية معلومات عن أن الرياض وجهت للمرة الأولى دعوة إلى علي سالم البيض، النائب السابق للرئيس علي عبد الله صالح وأبرز قيادات الجنوب، لزيارة السعودية وعقد لقاءات مع المسؤولين فيها إلى جانب الاجتماع بالرئيس الفارّ هادي ومساعديه.
ومع أن البيض أعلن دعمه للعدوان على اليمن، بخلاف كل مواقفه السابقة، إلا أنه يصر على إزالة اسم اليمن من كل بياناته ومواقفه، وهو قرر إطلاق اسم الجنوب العربي على مناطق اليمن الجنوبي. ويلجأ مقربون منه إلى استخدام عبارات «الغزو اليمني للجنوب العربي» في معرض هجومه على تقدم الجيش وأنصار الحوثي في تلك المناطق.
كذلك، تبين من متابعات أمنية في صنعاء ومحافظات أخرى، أن السعودية كما دولة الإمارات استضافتا أخيراً عدداً غير قليل من وجهاء قبائل وشخصيات حزبية غالبيتها من الصف الثاني، وهم سافروا من طريق سلطنة عمان. وقال بعض العائدين إنهم تلقوا عروضاً مالية كبيرة لإعلان الانضمام إلى «شرعية هادي» وتجنيد المقاتلين ضد الجيش و»أنصار الله».