صنعاء | لم تنهِ السعودية عدوانها على اليمن. إعلان العدوان السعودي الأميركي إيقاف عملياته العسكرية على اليمن يشبه «الانسحاب التكتيكي» للانتقال إلى مرحلةٍ أخرى من الحرب، بأساليب مختلفة.ليلة أول من أمس، تعرضت السعودية لضغط دولي شديد نتيجةً لخرقها القوانين والمواثيق الدولية، بعد استخدامها السلاح المحرم دولياً على الأحياء السكانية في منطقة، تحديداً مجزرة حي عطان ـ حدة، جنوب العاصمة صنعاء، حيث استخدم العدوان القنبلة الفراغية المزودة باليورانيوم المستنفد، والتي بحسب خبراء تأتي في المرتبة الثانية من حيث قوتها التدميرية بعد الأسلحة النووية.

هذه القنبلة كانت رسالة واضحة أرادت السعودية إيصالها إلى أكثر من طرف في الداخل اليمني وفي الخارج. أرادت من خلال الجريمة التي عُدّت الأكبر من بدء العدوان، وتسببت في استشهاد أكثر من 39 مدنياً وجرح أكثر من 500، إرسال رسالتين: الأولى إلى الشعب اليمني، ومفادها أن هذه الجريمة ستتكرر إذا لم تقفوا في وجه الحوثي وتخضعوا لرغباتنا. أما الثانية فكانت لروسيا وإيران، ومفادها أنه «نحن نملك هذا السلاح وربما لدينا ما هو أقوى».
السعودية ذهبت مجبرة
إلى خيارات غير مدروسة
وحتى انهزامية

وبعد الضغوط الدولية المكثفة، جاء بيان إعلان «تحقيق الاهداف» من قبل العدوان، الذي أشار إلى «إزالة التهديدات وضمان أمن المملكة ودول الجوار من الصواريخ البالستية والسكود»، رغم إدراك آل سعود أنهم لم يحققوا أهدافاً حقيقية ولم يفجّروا صواريخ ولا غيرها، بل كانوا يتعمدون ضرب المدنيين لإشباع نزوتهم في سفك دماء المدنيين. وصل العدوان إلى نتيجة بعد 26 يوماً من شنّ الغارات الجوية على مختلف المحافظات اليمنية من دون تحقيق هدف حقيقي من تلك التي أعلن عنها سابقاً.
السعودية ذهبت مجبرة إلى خيارات غير مدروسة، وحتى انهزامية، بعد صمود اليمنيين واستمرارهم في خيار التعبئة العامة، لا سيما بعد خطاب زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد الماضي. الحوثي أرسل، بلغةٍ هادئة، رسائل إلى السعودية، أهمها أن جبهة الشعب اليمني هي «الجبهة الداخلية»، من دون الاشارة إلى أي ردّ فعلٍ عسكري في ما يخص الجبهة الخارجية مع العدو.
تركيز الحوثي في خطابه على الجبهة الداخلية، جاء من منطلق الرؤية الحكيمة لطبيعة الاحداث واتجاهاتها. ولا مبالغة في القول إن ذلك الخطاب قلب موازين المعركة وغيّر اتجاه البوصلة السعودية 180 درجة، وقلب الطاولة على تحالف العدوان، مؤكداً أن الشعب اليمني ابتداءً من - ليلة إلقاء الخطاب - هو الذي سيدير المعركة ويحدد اتجاهاتها، بل ويفرض على العدوان خياراته ومساراته المقبلة.
فالعدو عقد كل رهاناته على الجبهة الداخلية لتحقيق أهدافه، في وقتٍ أدرك فيه أن المغامرة والدفع بجيوش الاحتلال برّاً هو رهان خاسر تماماً من دون وسيطٍ داخلي يفتح أمامه الطريق. وكذلك، فإن الاستمرار في العدوان الجوّي كان خياراً منهكاً وخاسراً ومكلفاً ولا طاقة للعدو على الاستمرار فيه لأسباب عدة، وهي:
أولاً، إن كلفة الحرب ستكون عالية جداً، سواء البشرية أو المالية واللوجستية، ومهما ضخت آبار النفط الخليجية، فلن يمكنها تحمّل تلك الكلفة، خصوصاً أن الحوثي أوحى إليهم بأن المقبل سيكون استنزافاً لا يمكنهم تفاديه.
ثانياً، كلما استمر العدو في ارتكاب جرائم الحرب ضد المدنيين خسر مؤيديه في الداخل، ويدل على ذلك ما حدث يوم الاثنين الماضي في جريمته البشعة التي اقترفها بحق المدنيين والأحياء السكنية في فج عطان، حين لمس الجميع خسارة كبيرة في صفوف مؤيدي العدوان.
انطلاقاً من هذه المعطيات، اتجه العدو إلى خيارات جديدة، لن تكون أقل تهوراً ولا أقل تكلفةً، لكنه يظنها حاسمة وستحقق نتائج وأهداف فرض السيطرة واليهمنة. انتقال السعودية من مرحلة إلى أخرى، عبر تغيير اسم حملتها من «عاصفة الحزم» إلى «إعادة الأمل»، وهي استنساخ للتجربة الأميركية البرّية في الصومال، ينطوي على نقاط متوقعة عدة، قد تشهدها المرحلة المقبلة من المغامرة السعودية، وقد تتمثل في الآتي:
- تنفيذ عمليات اغتيال أفراد وشخصيات قيادية في الجيش وفي أوساط «أنصار الله».
- مضاعفة الدعم اللوجستي لعناصر «القاعدة» في حضرموت، وإرسال مسلحين جدد إليهم لفرض سيطرة على مساحة أوسع والتصدي لأي مقاومة داخلية لوجودهم، وإن بقدرة مؤقتة على الصمود لأسابيع إضافية قليلة.
- مواصلة تعزيز موقع أعوان السعودية ورفع معنوياتهم في جبهات عدة، مثل عدن وتعز، ولو بواسطة إنزال مظلي للمسلحين، لتحقيق انتصارٍ فيها، نظراً إلى أهمية الموقع الجغرافي لهذه المناطق الاستراتيجية.
- محاولة استنزاف الجيش اليمني المسنود بـ«اللجان الشعبية» في مأرب، عبر جرّهم إلى مواجهات في الصحراء، كحرب ميليشيوية.
- استهداف السعودية لشخصيات قيادية في «أنصار الله» عبر غارات جوية، قالت إنها ستسمتر «إذا دعت الحاجة»، وذلك بمساعدة عملائها في اليمن الذين سيواصلون تقديم إحداثيات ومعلومات لها.
ورغم هذه الاحتمالات، فإن قيام الرياض بعملية برية يظلّ غير مستبعداً. فحتى تفك الضغط عن جبهاتها الداخلية، قد تبدأ الرياض بعملية برية في الحدود الشمالية لليمن وفي بعض سواحله، مثل سواحل أبين وخليج عدن، إضافة الى تقدم بري تحت حماية تنظيم «القاعدة» في حضرموت من منفذ الوديعة الحدودي. إلا أن على الرياض أن تستفيد، في حال إقدامها على هذه الخطوة، من الحرب التي شنّتها على حدود صعدة عام 2009 /2010، خصوصاً أن قوة «أنصار الله» وسلاحها ومقاتليها في ذلك الوقت لا يعادلون 10% مما هم عليه حالياً.
*اليمن - رئيس تحرير
صحيفة «المسار»