تنقل مصادر خليجية مقرّبة من صنّاع القرار، أن «عاصفة الحزم» كانت «طبخة» سعودية ــ أميركية بامتياز، مشيرة إلى أن «القيادة السعودية أبلغت قادة دول مجلس التعاون الخليج بموعد بدء العمليات قبل 6 ساعات. ولم تطلب السعودية سوى الدعم المعنوي، وهي سوف تتكفل بباقي المهمات. أخذت الموافقة من بقية الدول، أي مصر وتركيا وباكستان والسودان والأردن عبر اتصالات هاتفية ولكن من دون ذكر للتفاصيل».
تضيف هذه المصادر إن سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، «لم يكن هو الآخر على علم بقرار الحرب حتى لحظة وقوعه، بالرغم من حديثه قبل يومين من بدء «عاصفة الحزم» عما سماه «إجراءات» في حال مواصلة «أنصار الله» تمدّدهم نحو عدن، ولم يكن الوزير يقصد بها «حرباً»، بل عقوبات وتحريضاً لقوى يمنية موالية للسعودية بالتحرّك العسكري». وحين يكون سعود الفيصل وهو في موقع سيادي ليس على علم بموعد الحرب، فإن ذلك يعني، بالضرورة، أن هناك أمراء آخرين كثراً أقل منه رتبة لم يكونوا على علم بالحرب.
غرفة مشتركة في الرياض أميركية سعودية لإدارة العمليات


«أنصار الله» للروس:
ردّنا على العدوان السعودي
بات وشيكاً جداً


طلب الفيصل لقاء ظريف فاشترطت طهران وقف النار أولاً

تسريبات العائلة المالكة تفيد بأن محمد بن سلمان، ابن الملك ووزير الدفاع، كان اللاعب الرئيسي في العدوان، وأنه ووالده الملك ووزير الداخلية وولي ولي العهد محمد بن نايف هم من أخذوا قبل شهرين قرار الحرب بالتشاور مع الأميركيين. المصادر الخليجية المقرّبة من صنّاع القرار في مجلس التعاون تؤكّد أن «محمد بن سلمان لا يزال يدير الحرب بصورة فرديّة، ويرفض الاستماع إلى نصيحة من أحد، حتى إنّ محمد بن نايف طلب من الأميركيين التدخّل للحد من جنوح ابن الملك سلمان قبل أن تقع كارثة بإصراره على الحرب ورفض الحلول السياسية».
ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي جرى تهميشه منذ اعتلاء سلمان العرش، لم يكن على علم بقرار الحرب، وعليه لم يكن من بين أعضاء «خلية الحرب». صمت الأمراء ليس عن قبول بالقرار، بل كان مريباً وخصوصاً في ظل حملة «استدراج» لبيانات التضامن والمواقف مع قرار الحرب من قبل فئات الشعب، في مقابل «تخوين» كل من لا يعبّر عن دعمه المطلق وغير المشروط لـ»عاصفة الحزم».
بطبيعة الحال، لا بد من الإشارة الى الدور الأميركي في «عاصفة الحزم» قبل وقوعها وبعده. فقد زوّدت الولايات المتحدة السعودية بالقنابل الخاصة بالأنفاق من نوع «جي بي يو»، وقد استنفدت مخازن الخليج وخصوصاً في الكويت التي تضم كمية كبيرة من هذه القنابل، وقد ألقيت خلال الأسبوعين الأولين من الحرب بهدف ضرب مخابئ الصواريخ لدى الجيش و»أنصار الله».
وبعد فشل القصف الجوي السعودي والقنابل، تدخّلت البوارج الحربية الأميركية في الخليج وأطلقت عشرة صواريخ كروز من نوع توماهوك 109 (قيمة الصاروخ الواحد 600 ألف دولار) واستهدفت الصواريخ الباليستية معسكرات للجيش اليمني، ولكن كانت المعسكرات فارغة تماماً.
تذكر المصادر المقرّبة من صنّاع القرار في الخليج أن الطيارين السعوديين لم يكونوا مؤهلين بدرجة كافية، فكانوا يقصفون بطريقة عشوائية في الأيام الأولى، ما تسبب بوقوع ضحايا مدنيين كثر، وأصابوا أهدافاً مدنية أكثر منها عسكرية، فتدخّل الأميركيون لتوجيه الطائرات وتقديم معلومات دقيقة عن طريق طائرات الاستطلاع من دون طيار التي تحوم في سماء اليمن مدة 30 ساعة متواصلة.
وبحسب خبراء عسكريين، كانت الطائرات الحربية السعودية تنطلق من قاعدة خميس مشيط أو من الطائف غرب السعودية وتقطع مسافة طويلة تصل الى 1600 كلم ذهاباً وإياباً ولا يمكن لطائرة واحدة ان تقوم بها من أجل تنفيذ المهمة، فتدخل الأميركي لتزويد الطائرات بالوقود في الجو. فكانت تنطلق 8 طائرات تكون اثنتان للقصف والباقي لتعبئة الوقود. وهناك غرفة مشتركة في الرياض أميركية سعودية لإدارة العمليات وتزويد الطياريين بالإحداثيات وتوجيه الطائرات.
ولكن بعد أربعة أسابيع من القصف الجوي والبري والبحري المتواصل، وجدت السعودية نفسها أمام ضغط دولي متعاظم، تزامن مع معطيات على درجة كبيرة من الأهمية: الأول، تحرّك بوارج حربية إيرانية نحو السواحل اليمنية، وكانت الرسالة واضحة للجانب السعودي، ما استدعى تحريك بارجتين أميركيتين نحو بحر العرب بهدف طمأنة الحليف السعودي. الثاني: كان في الجانب اليمني حيث تحرّكت فرق عسكرية تابعة للجيش اليمني و»أنصار الله» باتجاه مضيق باب المندب، الثالث: عبور قوات يمنية الحدود بعمق 7 كلم والسيطرة على عدد من المراكز السعودية.
على الجبهة الدبلوماسية، لقاء جرى بين وفد «أنصار الله» مع السفير الروسي في صنعاء، وكان عاملاً رئيساً في تفعيل قنوات الاتصال الدبلوماسي بين واشنطن وموسكو وبين عمان والرياض. رسالة الوفد أن «ردّنا على العدوان السعودي بات وشيكاً جداً»، فطلب السفير الروسي مهلة لإيصال رسالة بهذا الخصوص الى قيادته في موسكو التي بادرت إلى الاتصال بواشنطن من أجل احتواء خطر تفجّر حرب إقليمية.
من النتائج، جرى لقاءان بين السفير الإيراني في الرياض مع كل من وزير الخارجية سعود الفيصل ووزير الداخلية محمد بن نايف. بدا سعود الفيصل حريصاً على لقاء نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وأكّد على تلبية الأخير لدعوة سابقة كان الفيصل قد وجّهها له خلال لقاء لهما في نيويورك في 21 أيلول من العام الماضي. أما محمد بن نايف فعرض على الجانب الايراني التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وأبلغه أن أفغانستان بالنسبة إلى إيران هي بمثابة اليمن بالنسبة إلى المملكة. كان الرد الايراني واضحاً: لا لقاء بين الفيصل وظريف قبل وقف إطلاق النار.
من جهة ثانية، تأكّد آل سعود بأن الرد اليمني بات وشيكاً، في ظل تساقط المحافظات بأيدي الجيش و»أنصار الله» واللجان الشعبية، وزاد على ذلك الرسالة البليغة التي وصلت الى القيادة العسكرية والسياسية السعودية بعد عبور قوات يمنية الحدود السعودية. بقيت العملية خارج الضوء، ولكنها مثّلت عامل ضغط كبير على صانعي القرار السعودي، وكان ذلك أحد مبررات استدعاء الحرس الوطني الى الحدود.
بحسب الاتفاق بين الأطراف الروسية والأميركية والعمانية والإيرانية والسعودية يجب التوقّف عن قصف المؤسسات المدنية والبنية التحتية وكذلك قتل المدنيين. ولكن الاتفاق بصيغته الأولية، فيما لو تمّ، سينطوي على هزيمة تاريخية للجانب السعودي، ولا بد من «تخريجة» سياسية. ثمة أمور لم تفصح عنها القيادة العسكرية والسياسية في المملكة السعودية، وأن انتهاء «عاصفة الحزم» جاء نتيجة ضغوط دولية وقد يتسبب الاستمرار في العمليات بـ»تضييق الخناق» سياسياً على السعودية بسبب انسداد أفق الحرب، ما يجعلها عاجزة عن تبريرها قانونياً. ولذلك لجأت الى مرحلة «إعادة الأمل» التي تجرى اليوم دونما أهداف ذات طبيعة سياسية وقانونية، بل تندرج في سياق آخر ولأهداف أخرى «تمشيطية»، وكأن العدوان قد انتهى بينما الوتيرة المتصاعدة للعمليات تشي بحقيقة أخرى، إذ أريد لهذه المرحلة التخفيف من وطأة الضغوط الدولية، ولكن مع بقاء «الحرب الشاملة» على اليمن.
ما هو أهم من ذلك كله، أن الإعلان عن انتهاء «عاصفة الحزم» لا يعني وقف الحرب بصورة كاملة لأن ذلك سوف يترجم سلباً في مستويين: أولاً على استقرار السلطة السعودية ووحدتها في الداخل، وثانياً: على النفوذ السياسي في الخارج. فأولئك الذين رفع آل سعود سقف توقعاتهم منذ بداية العدوان سوف يصابون بخيبة أمل قاسية لأن النصر الكاسح الذي انتظروه تحوّل الى هزيمة نكراء. أما على مستوى الخارج، فإن السعودية سوف تتعرض لجلد قاس من أولئك الذين ذاقوا ويلات «الشقيقة الكبرى» على مستوى الخليج، أو من الدول العربية والإسلامية التي عانت طويلاً من «فتن ومؤامرات» آل سعود وتدخلاتهم...
ما يعني آل سعود في «إعادة الأمل» هو البحث عن منجز ميداني يمكن توظيفه في أي عملية تفاوضية مقبلة. العمل العسكري يتركّز على احتلال عدن أو أي منطقة استراتيجية يمكن أن تقام عليها حكومة ولو شكلية كي تكون أساساً لدعوى «عودة الشرعية»، ولو على نطاق جغرافي ضيق. على الضد، لا يزال هذا الهدف بعيداً بالرغم من إغداق الأموال على كل من لديه استعداد للتمرّد وحمل السلاح ضد الجيش واللجان الشعبية في اليمن.
رفض «أنصار الله» واللجان الشعبية والجيش اليمني لدخول السعودية كطرف في أي حوار يمني ــ يمني، دع عنك الرفض التام والمطلق لمقترح احتضان الرياض لمثل هذا الحوار دفع السعودية نحو التصرّف بخلفية الخاسر المنتقم. تجدر الإشارة الى أن العواصم المقترحة للحوار هي: مسقط، موسكو، جنيف...
لم تتغير قواعد الاشتباك في كلتا المرحلتين «عاصفة الحزم» و»إعادة الحزم»، وإذا كان آل سعود خسروا الحرب فلن يدعوا خصومهم يهنأون بالنصر، ولذلك هم يستخدمون كل ما يمكن تخيّله في هذه الحرب، ولأول مرة تنكشف حقيقة العلاقة بين النظام السعودي وتنظيم «القاعدة» والتي بدت واضحة في التنسيق التام بينهما على الأرض. على سبيل المثال، كل المعسكرات التي كانت تحت سيطرة «القاعدة» في جنوب اليمن يجري قصفها على الفور حال سقوطها بأيدي الجيش اليمني واللجان الشعبية.
السعودية تتصرف بعقل الخاسر، الذي ينطلق من قاعدة «ألعب أو أخرّب الملعب» حسب المثل الشعبي العراقي، فالعدوان السعودي يستهدف تدمير مقوّمات الدولة في اليمن وكل بناها التحتية، بما يؤخر ولادة اليمن ــ النموذج عقوداً من الزمن.




سلمان يخشى تمرد متعب على ابنه

لن توقف السعودية الحرب طالما أن أياً من الأهداف الثلاثة السالفة الذكر لم يتحقق، لأن ذلك يضع وجودها ومصيرها على المحك. فالقيادة السياسية والعسكرية السعودية مطالبة بتقديم إجابة حاسمة لجمهورها الذي لم يقتنع بكلام المتحدث العسكري باسم التحالف أحمد العسيري عقب إعلانه انتهاء «عاصفة الحزم» بدعوى أنها حقّقت أهدافها، إذ لا يزال عبد ربه منصور هادي في الرياض، ولا يزال الجيش اليمني و«أنصار الله» يتمدّدون داخل اليمن، ولا كلام سوى عن أهداف مدنية وقليل نادر من الأهداف العسكرية.
في الجانب السعودي، ثمة معطيات جديرة بالالتفات وأهمها صدور الأمر الملكي بوجود الحرس الوطني على الحدود. كان أمراً مستغرباً، لأن تشكيلات الحرس الوطني مصمّمة للدفاع عن السعودية إزاء اضطرابات داخلية وليست من أجل حروب حدودية. في الحقيقة، هناك معلومات وصلت للملك سلمان بأن الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني يخطط مع أمراء آخرين من بينهم الأمير مقرن بن عبد العزيز، ولي العهد، لوضع حد لاستفراد سلمان وابنه وزير الدفاع محمد وما جرى من تقويض شامل لتركة والده، فأصدر سلمان أمراً بنقل الحرس الوطني إلى الحدود الجنوبية على خلفية الخوف من تمرّد في الرياض.