بمعزل عن مضيق باب المندب الذي كثر الحديث عنه، ثمة أرخبيل يقع على طريق باب المندب يتمتع بأهمية خاصة.يقع أرخبيل سقطرى اليمني في المحيط الهندي ويبعد حوالى 80 كيلومتراً قبالة «القرن الأفريقي» و300 كيلومتر من الساحل اليمنى.

يعتبر سقطرى مفترق طرق للممرات المائية الاستراتيجية البحرية للبحر الأحمر وخليج عدن، وهو ذو أهمية كبيرة للجيش الأميركي. ومن هنا فإنه يمثل هدفاً من بين الأهداف الاستراتيجية لواشنطن، وهو يقع في صلب إضفاء الطابع العسكري على الطرق البحرية الرئيسية. وترجع أهمية هذا الارخبيل الى أنه يربط البحر الأبيض المتوسط والشرق الأقصى، من خلال قناة السويس والبحر الأحمر وخليج عدن، ما يجعله طريق عبور رئيسياً لناقلات النفط، سواء تلك المتوجهة الى البحر الاحمر ومن ثم المتوسط، أو المتوجهة الى الاطلسي عبر طريق رأس الرجاء الصالح. وتشير الاحصاءات الى أن حصة كبيرة من الصادرات الصناعية من الصين إلى أوروبا الغربية تمر عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي. كذلك فإن التجارة البحرية من الشرق والجنوب الأفريقي إلى داخل أوروبا الغربية تمر من قرب سقطرى عبر خليج عدن والبحر الأحمر. من هنا فإن بناء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى للإشراف على حركة السفن، بما في ذلك السفن الحربية، يقع في أولويات الاستراتيجية الاميركية العسكرية لمواجهة التهديد الصيني المستقبلي، كذلك هو يمثل أهمية لمحاصرة روسيا وتجارتها النفطية.
لقاء بترايوس ـ صالح كان حاسماً في إضعاف التواصل الروسي مع الحكومة اليمنية

وعلى أي حال، فإن المحيط الهندي هو الممر البحري الرئيسي الذي يربط الشرق الأوسط وشرق آسيا وأفريقيا مع أوروبا والأميركيتين. وتقع فيه أربعة ممرات مائية حاسمة في تسهيل التجارة البحرية الدولية يطلق عليها اسم «نقاط الاختناق» وهي: قناة السويس في مصر، وباب المندب بين جيبوتي واليمن، ومضيق هرمز المتاخم لإيران وعمان، ومضيق ملقا المجاور لإندونيسيا وماليزيا.
من وجهة نظر عسكرية، تنبع أهمية أرخبيل سقطرى من أنه يقع على مفترق بحري استراتيجي، حيث يمتد على منطقة بحرية كبيرة نسبياً في المخرج الشرقي لخليج عدن، من جزيرة عبد بن الكوري إلى جزيرة سوقطرى الرئيسية. ويسمح هذا المجال البحري بالعبور الدولي في المياه الإقليمية اليمنية.
في الثاني من كانون الثاني 2010، التقى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مع قائد القيادة المركزية الأميركية ديفيد بترايوس لمناقشة مستوى التنسيق الذي يجب أن يتم بين البلدين. كان الحديث يتعلق بضرورة تنسيق مبادرات مكافحة الارهاب الموجهة ضد «تنظيم القاعدة في اليمن»، بما في ذلك استخدام طائرات أميركية بدون طيار وصواريخ على الأراضي اليمنية». لكن العين الاميركية كانت على جزيرة سقطرى.
وكانت تقارير عدة أكدت أن اجتماعات بترايوس مع صالح كانت ساعية لإعادة تعريف التدخل العسكري الأميركي في اليمن، بما في ذلك إنشاء قاعدة عسكرية كاملة على جزيرة سقطرى. وكان الرئيس اليمني، بحسب هذه التقارير، قد قال إن الحكومة اليمنية وافقت على إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة لمكافحة القراصنة والقاعدة. وقد وصفت وسائل إعلام أميركية إنشاء قاعدة للقوات الجوية هناك بأنه جزء من «الحرب العالمية على الإرهاب». ومن بين البرامج التي كانت بين صالح وبترايوس الموافقة على السماح باستخدام طائرات أميركية، وطائرات بدون طيار، فضلاً عن «الصواريخ المحمولة بحراً»، لكنها كانت تحتاج الى موافقة مسبقة من اليمنيين، طبقاً لمسؤول يمنى.
وكان مسؤولون أميركيون قالوا إن الاجراءات في جزيرة سقطرى قد تعززت، من مهبط لطائرات صغيرة (تحت الولاية القضائية للقوات المسلحة اليمنية) إلى قاعدة كاملة من أجل دعم برنامج مساعدات أكبر، فضلاً عن معركة القراصنة الصوماليين.
كان اليمن قد بدأ بالفعل بتطوير البنية التحتية البحرية في سقطرى من خلال بعض التقديمات والقروض الميسرة، كمبلغ 14 مليون دولار من «الصندوق الكويتي» دعماً لتطوير مشروع ميناء سقطرى.
وبعيداً عن هذه التفاصيل، فإن ما ينبغي الاضاءة عليه هو أنه أثناء الحرب الباردة، كان للاتحاد السوفياتي وجود عسكري في سقطرى التي كانت جزءاً من اليمن الجنوبي في ذلك الوقت.
ورغم أهميتها، فإن الروس لم يدخلوا في مناقشات مع اليمن لتجديد العقود مع الحكومة اليمنية بخصوص القاعدة البحرية في جزيرة سقطرى إلا في عام 2009. وفي كانون الثاني 2010، أي في الأسبوع الذي تلى الاجتماع بين صالح وبترايوس، ظهر بلاغاً للبحرية الروسية أكد أن روسيا لم تتخلّ عن خططها الرامية إلى تطوير قاعدتها في جزيرة سقطرى.
وقد أكدت الكثير من التقارير أن لقاء بترايوس ـ صالح كان حاسماً في إضعاف التواصل الدبلوماسي الروسي مع الحكومة اليمنية.
إن إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في جزيرة سقطرى هو جزء من مخطط أوسع نطاقاً لإضفاء الطابع العسكري على المحيط الهندي. ويتكون هذا المخطط من دمج وربط سقطرى بهيكل قائم بالفعل، فضلاً عن تعزيز الدور الرئيسي الذي تضطلع به قاعدة غوانتانامو العسكرية.