يبدو أن العدوان السعودي على اليمن دخل فعلياً في مراحله الأخيرة، قبل الانطلاق بالعملية السياسية التي سترسم ملامح المرحلة المقبلة حيث ستترجم النتائج الميدانية، مكاسب وخسائر على المستوى السياسي. جملةُ معطيات تعزّز هذه الخلاصة، أولها القصف الهستيري الذي شنّه العدوان على صعدة يوم أمس، والذي يشير إلى بحث الرياض عن «انتصار» واحدٍ قبل وقف العمليات العسكرية والانتقال إلى طاولة المفاوضات الحتمية، قبيل اللقاء «التاريخي» الذي سيجمع قادة دول الخليج بالرئيس الأميركي باراك أوباما في كامب دايفيد، يوم الأربعاء المقبل.
واستناداً إلى هذه الوقائع، جاء الإعلان الأميركي ــ السعودي المشترك عن «هدنةٍ إنسانية» لخمسة أيام تبدأ يوم الثلاثاء، بالتزامن مع نفي التحالف رسمياً نيته الدخول البرّي إلى اليمن، رغم معلومات لا تزال متضاربة بشأن إمكانية إقبال التحالف على هذه الخطوة. وفي وقتٍ أصبح فيه معروفاً أن اللقاء الخليجي الأميركي قد يكون مخرجاً للرياض إلى العملية السياسية، بعد أكثر من 40 يوماً من حربٍ عبثية، لم يفلح النظام السعودي خلالها في تحقيق هدف عسكري واحد، أعلنت موسكو يوم أمس، موقفها الرافض لأي عمليةٍ برية في اليمن، واصفةً هذه الخطوة بـ»المتهورة»، وكاشفةً عن اتصالاتها بدول مجلس التعاون الخليجي للإسراع في استئناف المفاوضات السياسية.
ومن مقرّ السفارة الأميركية في العاصمة الفرنسية باريس، أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره السعودي، عادل الجبير، «هدنة إنسانية» تبدأ الساعة الثامنة مساء يوم الثلاثاء المقبل لخمسة أيام قابلة للتمديد، «مشروطة بتقيد الحوثيين بوقف إطلاق النار»، وتُعتبر لاغية إذا لم يلتزم بها الحوثيون وحلفاؤهم. وفيما أكد الجبير استمرار الحظر الجوي والبحري الذي يفرضه العدوان على اليمن خلال الهدنة، حذر كيري من استغلالها لإعادة تمركز القوات أو نقل الأسلحة. وبعد مقتل أكثر من 1300 شخص خلال العدوان على اليمن، بحسب الأرقام الدولية الرسمية، وتدمير البنية التحتية، قال منسق الأمم المتحدة في اليمن، باولو لمبو، إن الهدنة المعلنة الأخيرة غير كافية، مؤكداً أن إعلان وقف دائم لإطلاق النار هو وحده ما سيتيح لعمال الإغاثة التعامل بشكلٍ كامل مع «التحدي الإنساني الهائل».
وفي مواصلة للنبرة السعودية المعتمدة أخيراً والتي تُنذر بخفض سقف الرهان السعودي، أمل عادل الجبير يوم أمس أن «يعود الحوثيون إلى رشدهم ويدركوا أن مصلحة اليمن والشعب اليمني أولوية للجميع»، مضيفاً إن الهدنة «فرصة للحوثيين لإثبات أنهم يهتمون بمصالح شعبهم». وكان كيري قد أجرى يوم أمس، محادثات مع نظرائه الخليجيين في باريس، حيث كان ملفا اليمن وإيران مدار بحثٍ، بعد زيارة الوزير الأميركي الأخيرة للرياض، حين شنّ الجبير هجوماً على الجمهورية الإسلامية، التي جددت يوم أمس رفضها للاتهامات السعودية لها بالتدخل في اليمن، والمتواصلة منذ ما قبل العدوان.
وقالت طهران، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، إن هذه الاتهامات «تأتي في إطار تحميل الآخرين المسؤولية» عما يجري في اليمن، مؤكدةً أنها «تستند إلى تفسيرات وتحليلات مكررة وعديمة الجدوى». وأضافت إن الرياض وحلفاءها في التحالف العربي «أرادت أخذ اليمن رهينة لضمان مصالحها ومصالح حلفائها» من خلال فرض حصار بري وبحري وجوي.
من جهةٍ أخرى، ووسط تضارب الأنباء بشأن عمليةٍ برّية قريبة في اليمن، كان آخرها ما نشرته صحيفة «الشروق» المصرية في هذا المجال، أكد المتحدث الرسمي باسم العدوان، أحمد عسيري، أن الخيار البرّي «مطروح، لكنه لم يحدث حتى الآن»، ليردف قائلاً إنه «لن يكون هناك توغل في الأراضي اليمنية».
وقال عسيري، في مؤتمر صحافي في الرياض يوم أمس، إن المملكة أصبح لديها هدف جديد وهو «حماية المدن السعودية من عمليات الميليشيات الحوثية داخل الأراضي السعودية»، مؤكداً أنها لن تتخلى عن دورها في عملية «إعادة الأمل» في اليمن. وبشأن القصف الكثيف على صعدة أمس، أوضح عسيري أن عمليات أمس استهدفت المناطق التي انطلقت منها عمليات الحوثيين ضد الأراضي السعودية، مشدداً على أن الرياض تسعى إلى حماية المواطن السعودي والمواطن اليمني، على حد سواء.
وكانت صحيفة «الشروق» قد أكدت أن «التحالف العربي الداعم للشرعية»، أقرّ فعلياً خطة للتدخل البري المحدود في اليمن، لمنع سقوط مدينتي عدن وتعز بأيدي الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ولتأمين المنطقة المحيطة بمضيق باب المندب. ونقلت الصحيفة المصرية يوم أمس، عن مصادر سياسية يمنية قولها، إن «التحالف سيدفع ببضعة آلاف من الجنود المدربين تدريباً عالياً للدخول عبر البحر بإسناد من البحرية السعودية والمصرية، إلى ساحل مدينة عدن وساحل ميناء المخا في محافظة تعز المطلة على باب المندب لتأمين المنطقة، وتأمين مدينة عدن لتصبح مقراً لإدارة الدولة، لحين إنهاء تمرد الحوثيين وصالح، على الشرعية الدستورية في البلاد، ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي».
وكانت موسكو قد حذّرت يوم أمس، من أن شنّ عملية برية في اليمن يُعدّ تهوراً. وقال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، إن هذا الاحتمال سيؤدي إلى تصعيد الوضع في البلاد، مؤكداً أن المطلوب حالياً هو استئناف المفاوضات بين الأطراف اليمنية بوساطة الأمم المتحدة. وأشار الدبلوماسي الروسي إلى أن موسكو تواصل العمل حول الأزمة اليمنية مع اللاعبين الإقليميين، مضيفاً إنه أجرى في الفترة الأخيرة «اتصالات جيدة وفعالة مع مجموعة مجلس التعاون الخليجي ولقاءات جيدة جداً مع المندوبين السعودي والقطري، واتفقنا على ضرورة الإسراع في استئناف المفاوضات». وشدد تشوركين على أن المبعوث الدولي السابق إلى اليمن جمال بن عمر «مهد أرضية جيدة جداً للمناقشات التي لا بد من العودة إليها».
ميدانياً، واصلت القوات المسلحة و»اللجان الشعبية» السيطرة على مناطق المنصورة والعروسة في مدينة عدن، بعد دخول الجيش التواهي، في وقتٍ نفذ فيه العدوان 4 غارات جديدة على مطار عدن. وفي شبوة، أكدت مصادر محلية سقوط مدينة المصينعة، أحد معاقل عناصر تنظيم «القاعدة»، بأيدي الجيش و»اللجان الشعببية».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)