حملت الخطة التي سلمها المبعوث الدولي، إسماعيل ولد الشيخ، إلى وفد صنعاء (حزب «المؤتمر الشعبي العام» وحركة «أنصار الله»)، مساء أول من أمس، إشارات إلى تراجع السعودية وفريق الرياض من الإصرار على تجزئة الحل، وحصره بحل أمني قبل الحل السياسي، إلى الحل الشامل. مقترح الحل الذي يُعدّ تقدماً في المسار السياسي، حمل بنوداً ينص على تسليم الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، صلاحياته لنائب توافقي يشكّل حكومة «وحدة وطنية»، على أن يلي ذلك استفتاء على الدستور بعد إجراء تعديلات عليه والتحضير لانتخابات رئاسية ونيابية في غضون عام، وهو البند الذي لم يُفصح عنه مباشرةً بعد لقاء ولد الشيخ بالقوى السياسية. وأكد المبعوث الدولي قبيل مغادرته صنعاء أمس، أن ما نشر من تفاصيل عن الخطة صحيح، وأنه قد سلم المقترح إلى وفد صنعاء بالتزامن مع تسليم فريقه في الرياض نسخة منه للطرف الآخر. وبدوره، أصدر وفد صنعاء بياناً أكد تسلّم المقترح، إضافةً إلى ما تضمنه اللقاء من «عتاب للأمم المتحدة على صمتها حيال الوضع الإنساني في اليمن».
وقال مصدر مطلع في صنعاء، في حديثٍ إلى «الأخبار»، إن المسودة التي سلمها ولد الشيخ لوفد صنعاء، «تجري دراستها من قبل قيادتي أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام»، متوقعاً أن ترسل ملاحظات الوفد عليها إلى المبعوث في غضون الأيام القليلة المقبلة. ولفت المصدر إلى أن هناك تفاؤلاً كبيراً بـ«إمكانية انعقاد جولة أخرى من المشاورات في مكان جديد».
وفي الوقت الذي أكد فيه المصدر أن «ثمة جدّية دولية وضغوطاً مورست على السعودية والفريق الموالي لها للقبول بخطة ولد الشيخ» التي كانت قد طرحت سابقاً عبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ورفضها فريق صنعاء، قرأت أوساط سياسية التحركات الجديدة نحو حلحلة الملف اليمني بأنها تأتي في سياق حزمة تحركات دولية تستهدف حسم ملفات عدة، أبرزها ملف اليمن ولبنان وسوريا.
تنبئ تحركات أميركية على السواحل الغربية بإمكانية التدخل المباشر

ويعزو مراقبون قبول السعودية وفريق هادي بالخطة إلى أكثر من سبب، أبرزها انهيار قواتها في جبهات الحدود وتوغل قوات الجيش و«اللجان الشعبية» بشكل متصاعد في داخل أراضي نجران وجيزان وعسير، إضافة إلى تحذيرات متكررة من انهيار الوضع الاقتصادي في المملكة وعدم قدرتها على تحمل كلفة الحرب وتبعاتها الأخلاقية والإنسانية التي وصل تأثيرها إلى المساس بصدقية الأمم المتحدة ومؤسساتها الإنسانية والحقوقية، خصوصاً بعد مجزرة الصالة الكبرى التي لم يستطع «التحالف» إخفاء مسؤوليته عنها.
غير أن الحل السياسي الشامل الذي جاء متناغماً مع رؤية وفد صنعاء في الكويت، أثار تساؤلات عن خلفيات تراجع فريق الرياض ومن خلفه السعودية والولايات المتحدة (صاحبة المقترح) عن الحلّ الأمني أولاً. وأفادت معلومات خاصة بأن الجزء الآخر في خطة ولد الشيخ يجيب عن تلك التساؤلات. فبحسب المعلومات، إن الحل الشامل ستليه خطة أمنية تقتضي انسحاب قوات الجيش و«اللجان الشعبية» من المنطقة «أ» التي تمثل (الحديدة – تعز – صنعاء)، وهو ما من شأنه أن يكمل فرض مشروع الأقاليم الستة، باعتبار تسليم ساحل الحديدة وتعز يعني إخراج إقليم تهامة وإقليم الجند من تحت سيطرة سلطات صنعاء، إضافة إلى أن ثمة تحركات لـ«التحالف» بمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة على ساحل الحديدة وتعز هذه الأيام تصب في الاتجاه نفسه.
وأشارت المعلومات إلى طرح موضوع الاستفتاء على الدستور للمرة الأولى «برغم أنه ليس إلا إجراءً مرحلياً من غير الممكن تنفيذه قبل إرساء الاستقرار السياسي». وقالت المعلومات إن هذا البند يأتي في سياق التوجه نحو تثبيت مشروع التقسيم برعاية دولية، مذكرةً بخلفيات الأزمة اليمنية، إذ إن «المشكلة الأساسية خلف كل ما مر به اليمن منذ كانون الثاني 2015، هو مراجعة حركة أنصار الله إمرار هذا المشروع، الأمر الذي أفضى إلى استقالة هادي وحكومته».
وكانت «أنصار الله» قد اختطفت مدير مكتب الرئاسة السابق أحمد بن مبارك لمنع إمرار الدستور. وكشفت المعلومات أن الولايات المتحدة والسعودية تضغطان منذ الأسبوع الأول من الحرب من أجل تنفيذه بالقوة، وهو ما بدأ تطبيقه على الأرض بعزل حضرموت وتسليمها لـ«القاعدة» وإبعادها عن المعركة لتخرج باكراً من سيطرة صنعاء. وتلا المحافظة الكبرى، إخراج عدن وأبين ولحج من هذه السيطرة، الأمر الذي سبق محاولة عزل شبوة ومأرب والجوف، لنصل بذلك إلى ثلاثة أقاليم أصبحت مهيّأة للفدرالية.
كذلك، لم تهدف خطوة نقل البنك المركزي، بحسب المعلومات، إلى إنشاء بنك في عدن، بدليل عدم وجود أي مؤشرات على إمكانية حدوث ذلك، إذ إن الغرض من نقله هو خلق حدود اقتصادية بين صنعاء وبين بقية «الأقاليم». وأوضحت أن بنك عدن لا يتعامل مع حضرموت، وكذلك الأمر مع بنك مأرب، ما يعني أن تفرض كل منطقة حدوداً اقتصادية إضافة إلى الحدود التي فرضتها الحرب.
وفيما لم تصدر أي مواقف من قبل قوى صنعاء بخصوص جزئية الانسحاب من المنطقة «أ»، أفادت المعلومات بأن التحركات الجارية لقوات «التحالف» وبمشاركة مباشرة من الولايات المتحدة قبالة الساحل الغربي الممتد من سواحل تعز إلى سواحل حجة منذ أكثر من أسبوعين، يمهد لعمل عسكري إن لم تنجح خطة ولد الشيخ الأمنية في اخراج المنطقة «أ» من تحت سيطرة سلطات صنعاء. وبحسب المعلومات، فإن الولايات المتحدة قد تتدخل عسكرياً لـ«قضم إقليم تهامة (على البحر الأحمر) وإقليم تعز وإخراجهما من سيطرة صنعاء تماماً».