قبيل إعلان فشل مشاورات الكويت بنسختها الثانية مطلع آب الماضي، كان السفيران الأميركي والبريطاني قد أفصحا عن مجموعة من الإجراءات العقابية التي سيتم اتخاذها ضد تحالف صنعاء في حال عدم قبول الوفد الموجود في الكويت بصيغة حل عرضها المبعوث الأممي.التلويح الأميركي البريطاني باستخدام الورقة الاقتصادية سرعان ما أصبح واقعاً، من خلال تشديد إجراءات الحصار الاقتصادي باستهداف الموانئ في الساحل الغربي لليمن وتعزيز الرقابة عبر البوارج الحربية الأميركية تحت مبرر التفتيش وسحب العملة الورقية وإيقاف الحوالات المالية الخارجية، ما تسبّب في أزمة سيولة انعكست سلباً على الأوضاع العامة.
كل ذلك قبل أن تتخذ سلطة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي قراراً وصف بالخطير، وتمثل في نقل البنك المركزي إلى عدن. وكانت صنعاء قد تعرضت لهزات اقتصادية كبيرة جراء الحرب الاقتصادية، أبرزها ارتفاع سعر الدولار وتوقف الإيرادات وظهور السوق السوداء وارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتدهور الوضع المعيشي، غير أن صنعاء تمكنت من الصمود لأكثر من عام ونصف عام، ولا تزال الدولة تمارس واجباتها تجاه ملايين المواطنين، لا سيما الموظفين في أنحاء البلاد كافة.
وفق مصادر في «وفد صنعاء»، فإن الإجراءات الاقتصادية القاسية التي تطرق اليها السفير الأميركي ستقود في نهاية المطاف، بحسب مفهومه، إلى حسم المعركة بتحقيق أهداف العدوان، وتوقع السفير عدم تمكن صنعاء بعد أشهر، بفعل الحصار الخانق، من دفع رواتب موظفي الدولة، ما يعقبه انهيار للعملة الوطنية أمام الدولار... ثم الاستسلام.
تخشى مؤسسات دولية من مجاعة قد تشمل كل أرجاء البلاد

كان حديث السفير بمثابة تهديد ووعيد، إذ تضمن إشارات إلى إمكانية توسيع دائرة التدخل العسكري في حال عدم انصياع صنعاء للصيغة المقترحة للحل، وكذلك استمرار الجيش و«اللجان الشعبية» في التوغل في العمق السعودي، وتحديداً في نجران.
وما يؤكد حجم التناقض في خطاب واشنطن ما بين المعلن وما يدور في الكواليس، هو ما نقله دبلوماسي أوروبي رفيع لـ«وفد صنعاء» من معلومات تؤكد أن خطوة نقل البنك المركزي لم تحظَ بتأييد واسع من قبل المجموعة الأوروبية، أو ما يسمى دول الـ18، وأن الخطوة كانت سعودية بضوء أخضر أميركي. وأشار الدبلوماسي إلى تحفّظ مؤسسات مالية دولية على الخطوة، لما لها من تداعيات خطيرة على الوضع الاقتصادي في اليمن. غير أن واشنطن ودولاً خليجية تمارس ضغوطاً كبيرة على تلك المؤسسات، في إشارة إلى إمكانية استجابة تلك المؤسسات للضغوط، وهو ما حدث بالفعل.
اليوم، وبعد قرار نقل البنك المركزي، تعاني أغلب المناطق أزمة إنسانية، لا سيما بعد تنصّل سلطة هادي من دفع رواتب موظفي الدولة، فيما تجد صنعاء نفسها أمام عدوان اقتصادي قد يكون أكثر فتكاً من الآلة العسكرية المستمرة في القتل والتدمير. فالحرب الاقتصادية تستهدف جميع اليمنيين بلا استثناء، من خلال الحصار الخانق والحظر الجوي وممارسات خفية تهدف إلى سحب ما تبقى من سيولة ماليّة، فضلاً عن توسّع نشاط السوق السوداء وظهور مؤشرات المجاعة وسوء التغذية في بعض المناطق الساحلية الغربية، بعدما منع العدوان مئات الصيادين من ممارسة أعمالهم.
وتسعى دول العدوان إلى أن تكون الورقة الاقتصادية آخر الأوراق التي قد تنجح في تحقيق أهداف «التحالف». وكانت دول «التحالف» قد توصلت إلى اقتناع مفاده أن تصعيد الحرب الاقتصادية قد يعمل على التسريع في انهيار الجيش و«اللجان الشعبية»، وهو ما لمّح اليه هادي في لقاء مع قناة «الجزيرة»، بل وقد يؤدي وفق حكومة بن دغر إلى غضب شعبي ضد حركة «أنصار الله» جراء المجاعة المتوقعة.
وسبق أن قررت «أنصار الله» مواجهة الحرب الاقتصادية بحملة أطلقها زعيم الحركة عبد الملك الحوثي لدعم البنك المركزي، فيما تؤكد مصادر موثوقة أن صنعاء عبر مجلسها السياسي مقبلة على إجراءات أخرى للمواجهة الاقتصادية ورفض سياسة التجويع من أجل التركيع. وأبرز تلك الخطوات دعم مشاريع الزراعة والاهتمام بالجانب الإيرادي وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية عبر حملات التضامن والتكافل الاجتماعيين، إضافة إلى صرف مرتبات موظفي الدولة المتضررين من قرار نقل البنك إلى عدن.
وعلمت «الأخبار» من مصادر في صنعاء بأن عملية الصرف قد تبدأ خلال الأيام المقبلة برواتب قطاعي الجيش والأمن، ومن ثم القطاع المدني، عقب الانتهاء من إجراءات إدارية مهمة على ضوئها سيتم صرف مرتبات الأشهر المقبلة. وتدرس الجهات المعنية إمكانية توفير المواد الغذائية الأساسية وكذلك الدواء لموظفي الدولة عبر «البطاقة التموينية»، وذلك بالشراكة مع الغرفة التجارية.
إلى ذلك، تخشى مؤسسات دولية من مجاعة قد تشمل كل أرجاء البلاد في حال التأخر عن صرف المرتبات، فضلاً عن التحذيرات المتكررة للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية حول الوضع الإنساني الكارثي.