خيّم التفاؤل الحذر والترقب على الشارع اليمني يوم أمس، بعد التصريح المفاجئ لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، عن اتفاق بين السعودية وحركة «أنصار الله»، خلال زيارته القصيرة لأبو ظبي، تلاه على الفور إعلان الحكومة الموالية للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي رفض هذا الإعلان، واصفةً تصريحات كيري بـ«الهذيان» وبأنها «محاولة إنجاز قبل مغادرة باراك أوباما للبيت الأبيض».الحدث الذي شكّلته تصريحات كيري، لا يبدو بالحجم الذي صوره الإعلام، لكونه لا يزال مجرد تفاهم على مبادئ التشاور ووقف النار، فيما يظل الأمر مرتبطاً بمدى جدية السعودية والولايات المتحدة في وقف شامل للحرب ورفع الحصار، ومن ثم الدفع باتجاه توقيع اتفاق شامل ينهي الأزمة ويفضي إلى تشكيل سلطة جديدة.
الاجتماع بين كيري وممثلين عن «أنصار الله» جرى بحضور عُماني

وأفادت معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر مقربة من الحركة اليمنية، بأن التفاهم الذي جرى في العاصمة العمانية مسقط، أول من أمس، هو ثمرة جهود ورعاية عمانية، أشرف عليها السلطان قابوس نفسه، ولا علاقة لكيري بها مثلما يصوّر البعض. ولفتت المعلومات إلى أن كيري لم يكن سوى ممثل للرباعية (أميركا – بريطانيا – السعودية – الإمارات)، إذ جرى اللقاء بينه وبين ممثلين عن «أنصار الله» برعاية عمانية وحضور وزير خارجية عمان، يوسف بن علوي، مع طاقم وزارته وفريق من المكتب السلطاني.
المعلومات أكدت أن التفاهمات مع كيري تأتي مطابقة لموقف «أنصار الله» الذي تضمنه بيان وفد صنعاء بشأن خطة المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ نهاية الشهر الماضي الذي أكد إمكانية أن تكون الخريطة أرضية للنقاش أو قاعدة للتفاوض، مع إضافة وقف إطلاق النار واستئناف المفاوضات نهاية الشهر الحالي. وأوضحت المعلومات أنه جرى التفاهم على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تباشر عملها في أمانة العاصمة صنعاء وليس في الرياض، وكشفت أن تشكيل الحكومة لن يكون إلا بقرار يصدر عن رئاسة جديدة، وهذا ما ستنتجه المفاوضات التي يتوقع أن تستأنف في الكويت مجدداً بإشراف عماني هذه المرة.
في هذا الوقت، قال عضو المجلس السياسي في «أنصار الله» محمد البخيتي، إن موقف الحركة اليمنية لا يزال على حاله، مع وقف الحرب وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستوعب جميع المكونات، مؤكداً أن الجديد هو موقف السعودية التي وافقت على أساس أنها أحد أطراف الصراع.
على وقع ذلك، جاءت أمس تصريحات المتحدث باسم «انصار الله» ورئيس الوفد التفاوضي المقيم في مسقط حالياً محمد عبد السلام، لتعطي توصيفاً واضحاً عن لقاء الوفد بوزير الخارجية الأميركي. وقال عبد السلام: «جاءت أميركا لتمثل دول العدوان، وكنا نجلس تحت إشراف الطرف العماني الذي هو طرف متابع ومراقب وضامن لأن تلتزم اميركا وتُلزم مرتزقتها وأن تفي الدول الأخرى بتعهداتها»، مشيراً إلى تعويل جماعته على استمرار الدور العماني في التواصل مع المجتمع الدولي .
عبد السلام وفي سياق إعلانه موقف «أنصار الله» الرسمي إزاء تصريحات كيري، أضاف في مقابلة تلفزيونية أمس: «نحن جادون من أجل السلام ولا نقبل بأي تجاوزات أو التنازل عن حقوقنا»، لافتاً إلى أن الرهان يبقى على مدى التزم تنفيذ الالتزامات على الأرض، باعتبار الضمان هو التنفيذ.
وبالرغم من الصرامة التي ظهرت في حديث كيري، إلا أن استمرار التصريحات الرافضة إعلانه من قبل حلفاء الرياض اليمنيين، أثارت عدداً من التساؤلات والتفسيرات. وبحسب المعلومات الخاصة، وجد فريق الرياض نفسه خارج اللعبة بعدما فوضت الرباعية إلى جون كيري عقد اتفاق مع «أنصار الله» بعيداً عن إبلاغهم بالأمر، بينما يظهر أن التفاهم يقتضي أن يعودوا إلى طاولة المشاورات أمام وفد صنعاء وتشكيل حكومة بالشراكة معهم، ورجحت المعلومات أن فريق الرياض يرى أن وقف الحرب ليس في مصلحته لاعتبارات عدة، منها ضعف موقفه الشعبي والسياسي داخلياً.
وفي تعليقه على تذمر هادي وحكومته والشكوى من «تجاهلهما»، قال عبد السلام: «لسنا معنيين بردّهم، فهم لم يكونوا على علم عند بدء العدوان الغاشم على اليمن، ولم يكن لهم علم بتفاصيل أصبحت ذات بعد خارجي»، معبراً عن عدم اطمئنانه إلى تنفيذ ذلك الطرف للاتفاقات والتفاهمات. وأضاف: «نحن ندرك أن هناك تجار حروب وأطرافاً لا تريد أن تقف الحرب، بخاصة ممن يرون أن الاتفاق السياسي هو فقدان لمصالحهم». وأضاف قائلاً: «أن يأتي طرف يسمي نفسه الحكومة، وهو يعلم أنه بعد شهر لن يكون في مقعده، بالتالي الاتفاق لن يرضيه»، في إشارة إلى هادي وحكومته.