صنعاء | تتزاحم الملفات الإنسانية في اليمن بعد سنتين ونصف سنة من القصف والحصار، تضاف إليها موجة الكوليرا الثانية التي لا تزال تتفشى وتحصد الأرواح، لكنّ ملف الأسرى (الحرب) يبقى ضمن سلّم أولويات جميع اليمنيين، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية ومعتقداتهم. فلا يمر أسبوع من دون أن تشهد المحافظات مسيرات تضامنية مع الأسرى القابعين في معتقلات مختلف الأطراف المتقاتلة، المحلية منها والخارجية، فنرى النساء والأطفال في الشوارع يناشدون المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التدخل والضغط، مدفوعين بتقارير متفرقة تؤكد تعرّض الأسرى للظلم والتعذيب، خاصة لدى الميليشيات المحلية الموالية لتحالف العدوان.
في هذا السياق، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية (الخميس) إن عدن وحضرموت الواقعتين جنوبي البلاد، والخاضعتين لسيطرة قوات الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، تشهدان حالات «احتجاز تعسفي وإخفاء قسري»، مشيرة إلى أنها وثّقت «49 حالة». كذلك أكّدت المنظمة وجود «سجون سرية، من بينها اثنان تديرهما الإمارات، وأخرى تديرها قوات أمنية يمنية مدعومة من الإمارات».
تزامن ذلك مع نشر وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه وجود شبكة سجون سرية في جنوب اليمن تديرها القوات الإماراتية، مشيرة إلى اختفاء مئات الأشخاص في تلك السجون بعد اعتقالهم تعسفاً. ونقل التقرير عن سجناء سابقين تعرضهم لـ«التعذيب الوحشي»، مشيرين إلى أنّهم كانوا يُحاصرون معصوبي الأعين بأعداد مكتظة في حاويات شحن تم تلطيخ جدرانها بالبراز، على مدى أسابيع، وذلك في إعادة لما كان ينقل عن أحداث معتقل غوانتنامو الأميركي الشهير.
كذلك أكّد الأسرى ممن خرجوا أنهم تعرّضوا للضرب، والاعتداء الجنسي، والتعذيب، وصولاً إلى حد «ربط الأسير على ما يشبه آلة الشواء». وقال أحد أفراد «قوات النخبة» في حضرموت، وهي قوة أمن يمنية استحدثتها الإمارات، إنّ القوات الأميركية كانت على بعد «بضعة أمتار فقط»، من هذه السجون.
تأتي هذه التقارير بعد شهر واحد من إعلان وزير الخارجية في «حكومة الانقاذ»، هشام شرف، اعتزام صنعاء تقديم شكوى رسمية لدى الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والدولية بشأن «الانتهاكات الإنسانية التي يتعرض لها الأسرى على أيدي دول العدوان والميليشيات الموالية لها»، مشيراً إلى أن الأخيرة «لا تراعي أي عهود أو مواثيق دولية في هذا الشأن... ولا ترغب حتى في التوصل إلى حل».
كذلك، اتهم رئيس «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى» في صنعاء، عبد القادر المرتضى، «حزب الإصلاح» الإخواني بـ«ارتكاب انتهاكات جسيمة في حق الأسرى تفوق بوحشيتها تلك التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة»، مؤكداً في حديث إلى «الأخبار»، «تعرّض 95% من الأسرى المحررين من سجون الإصلاح للتعذيب النفسي والجسدي».
لم تفلح المبادرات الإنسانية التي أطلقتها حركة «أنصار الله» في تحريك الجمود الذي أصاب ملف الأسرى، في ظل إصرار دول العدوان على عرقلة وإجهاض عمل اللجنة المعنية بهذا الملف، ورفضهم حتى فكرة إعادة فتح باب المفاوضات، الذي أغلقته العام الماضي، بعدما رأت في نجاحاته تهديداً حقيقياً لمشروعها التقسيمي، وبادرة تقارب بين الأطراف اليمنية المتنازعة.
ومنذ بدء العدوان حتى شباط 2016، تكللت جهود المعنيين بهذا الملف بالنجاح، إذ تمّ الإفراج عن أكثر من 1066 أسيراً، لتبدأ بعد ذلك الجهود التخريبية من الرياض وأبو ظبي، وصولاً إلى حد مقاطعة الملف كلياً وتهميشه بعد توقف محادثات الكويت مطلع آب الماضي.

في إحدى المرات استهدف موكب للأسرى خلال عملية تبادل


الموقف الخليجي في المفاوضات انعكس في النتيجة على حلفاء الداخل اليمني، وأثّر في عمليات التبادل التي شهدت تراجعاً حاداً، إذ بلغ عدد الأسرى المفرج عنهم بين شباط 2016 وأيار 2017 400 فقط.
ويتّهم مصدر في «أنصار الله» السعودية بعرقلة المساعي الهادفة إلى تخفيف معاناة الآلاف من اليمنيين الأسرى، مشيراً إلى إصدار المملكة في أيلول الماضي توجيهات تقضي بوقف أي تفاوض يمني ــ يمني في محافظتي مأرب والجوف الخاضعتين لسيطرة «الإصلاح».
يقول المصدر نفسه لـ«الأخبار» إن هذه التوجيهات «حالت دون الإفراج عن أسرى الجبهات المشتعلة في البيضاء والضالع وشبوة جنوب اليمن، باستثناء بعض الحالات النادرة»، مؤكداً أن «المقاومة الجنوبية» كانت «متجاوبة ومتعاونة في هذا الملف قبل أن تُمارس الضغوط عليها». فخلال العام الأول للعدوان، أثمرت المفاوضات بين «أنصار الله» و«الحراك الجنوبي» الإفراج عن أكثر من 500 أسير في 17 كانون الأول 2015، وذلك في أكبر صفقة تبادل للأسرى في اليمن. هذه «المرونة» في التعاطي سرعان ما تبدلت عقب تدخل أبو ظبي في الملف وفرضها «الفيتو» نفسه في عدن ولحج والضالع، ليمتد بعد ذلك إلى جبهات شبوة والضالع والمخا وغيرها.
ووفق مصادر في القوات الموالية للعدوان، ضغطت الإمارات على حلفائها في الداخل لعرقلة عملية تبادل شملت أكثر من 200 أسير كانت مقررة في 14 تشرين الأول الماضي، وهددت باستهداف موكب الأسرى الذي تعرض بالفعل لهجوم من جماعة «أبو العباس» السلفية المسلحة الموالية لأبو ظبي في تعز.
وفي ظل تعنّت الطرف الآخر، ولا سيما بعد إطلاق قائد «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، عشية الذكرى الثانية للعدوان في آذار، مبادرة إنسانية شاملة لتحرير جميع الأسرى، نتج منها تحرير قرابة 500 أسير «غرّر بهم للمشاركة في الأعمال العدائية إلى جانب التحالف»، عادت الحركة إلى الخيار العسكري، وهو «الأقل تحبيذاً» نظراً إلى خطورته. ففي الرابع من الشهر الجاري، نجحت نخبة من القوات الخاصة التابعة للحركة في اختراق مدينة لودر في محافظة أبين والإفراج عن عشرة من عناصرها كانوا قد أسروا قبل عامين.