بعد عامين ونصف عام من القصف والحصار السعودي، نجحت الحالة الإنسانية الكارثية التي يعيشها اليمن في اختراق جدار التعتيم الإعلامي، وبات البلد المهدد بـ«المجاعة الأكبر منذ عقود» يكسب زخماً إعلامياً ودولياً لا يرقى إلى حجم المأساة، ولكنه مقبول مقارنةً بالتجاهل الكامل والصمت الدولي المخزي تجاه الانتهاكات بحق اليمنيين التي ارتكبها تحالف العدوان منذ آذار 2015.
ولكن هذا التصاعد في حدّة ووتيرة التصريحات والدعوات والتنديدات الدولية، السياسية والحقوقية، لـ«التحالف» ودوره في خلق «الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم»، لم يترك أي أثر حقيقي على النهج الدموي الذي تتبناه الرياض في عدوانها ولا على تداعياته على الأرض. فالحصار المفروض على أهم المنافذ البرية والجوية والبحرية لم يُرفع، والقصف الوحشي لم يتوقف، ودول مجلس الأمن الدولي لم تتحرر من قبضة الابتزاز الاقتصادي السعودي، وموجة الكوليرا لم تنحسر.
ومنذ 27 نيسان الماضي، حصدت الكوليرا أرواح ما لا يقل عن «2202 شخص في اليمن، فيما سُجِّل 926 ألفاً و187 حالة يشتبه في إصابتها بالوباء»، وفق تقرير نشرته «منظمة الصحة العالمية» أمس.
وقالت المنظمة إن «حالات الإصابة سُجِّلَت في 22 محافظة يمنية، من أصل 23»، مشيرة إلى أن «المحافظات التي فيها أكبر عدد من الإصابات هي حجة والحديدة والعاصمة صنعاء، فيما لم يطاول التفشي، الذي وصفته منظمة «أوكسفام» بـ«الأكبر في العالم» والأمم المتحدة بـ«الأسوأ في التاريخ»، محافظة سقطرى الواقعة جنوب شرق البلاد.

لم يتغيّر النهج
الدموي السعودي رغم الدعوات الدولية المنددة

ولا تختلف المنظمات الدولية والجهات المسؤولة في القطاع الصحي في تقييمها للدور المحوري الذي يلعبه العدوان السعودي، المتمثّل بالقصف العشوائي للأحياء السكنية والتدمير الممنهج للبنية التحتية، ولا سيما آبار المياه والمرافق الصحية، والحصار البري والبحري والجوي الذي يحول دون وصول المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء، في انتشار الكوليرا في البلد الذي يستورد 90 في المئة من حاجاته الأساسية.
وفي محاولة بائسة لتضليل الرأي العام العالمي، أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أمس، توقيع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية على مشروعين لعلاج ومكافحة الكوليرا في اليمن بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية»، مشيرة إلى أن التكلفة الإجمالية للمشروعين هي «أكثر من 22 مليون دولار».
وقالت الوكالة إن التوقيع جاء بـ«توجيه من ولي العهد السعودي»، محمد بن سلمان، «الشاب المتهور والانفعالي الذي ارتكب في العامين الماضيين سلسلة من الأخطاء الفادحة، أولها كان في إعلان الحرب على اليمن»، وفق مقال للباحث في مركز «ويلسون» رون ديفيد ميللر، والباحث في مؤسسة «كارنيغي» للسلام العالمي ريتشارد سوكلسكي. ويحذّر الباحثان من أن ولي العهد «لن يجرّ بلاده فقط إلى المشكلات، بل الولايات المتحدة أيضاً»، واصفين قراراته الخارجية بـ«المغامرات الفاشلة».