لم يتوقّع الملك السعودي سلمان بن العزيز، أثناء طلبه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اللقاء الذي جمعهما في موسكو في الرابع من شهر تشرين الأول، أن ترفض طهران عرضاً للحوار مع الرياض. استبعاد الملك الرفض مبنيّ على حقيقتين؛ الأولى أن الطرف الإيراني لطالما عرَض، في السرّ وفي العلن، الحوار على السعوديين الذين رفضوا على الدوام أيّ تقارب مع «الفُرس»، خصوصاً في هذه المرحلة. الثانية أن الوسيط الذي اختاره الملك بعناية، هو الحليف الأوثق لإيران، ويخوض إلى جانبها الكثير من الحروب الدبلوماسية والعسكرية.
بعد أسابيع على الزيارة التي وُصفت بـ«التاريخية» إلى موسكو، والتي اختار السعوديون لها «خدمة الأمن والسلم الدوليين» عنواناً عريضاً، حطّ الرئيس الروسي في طهران، والتقى الرئيس حسن روحاني، والمرشد الأعلى السيّد علي خامنئي. كان العرض السعودي أحد الأطباق الأساسية على مائدة البحث بين بوتين ومضيفيه الإيرانيين. رأت طهران في العرض الكثير من «نقاط الضعف» الكفيلة بدفعها إلى الرفض. أبرز ما «أشكَل» عليه الإيرانيون، بحسب معلومات «الأخبار»، «حصْر العرض السعودي الحوار مع طهران في نقطة تتمركز حول حاجتهم إلى الضغط على اليمنيين، ودفعهم نحو القبول بحلّ نتيجته تُظهِر السعودية منتصرة». تضمّن العرض السعودي «إغراءات» مثل اقتراح فتح المعابر والمنافذ الحدودية برّاً وبحراً وجوّاً، بالتزامن مع الإعلان عن الوصول إلى اتفاق. لكن العرض «المقتضب» أورد بنوداً مكرّرة للتفاوض، مثل «حكومة وفاق» و«مجلس رئاسي» و«فترة انتقالية» تفضي إلى انتخابات ورئيس، وتزامناً، انكفاء حركة «أنصار الله» وسلاحها من صنعاء وتعز والحديدة.

العرض «المقتضب»
أورد بنوداً مكرّرة للتفاوض

لم تتجاوب إيران مع «الطلب ــ الحاجة». عدم التجاوب هذا كان كافياً سعودياً لـ«لمّ» وزراء خارجية الدول العربية وإصدار بيان، وصفه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش بأنه «تاريخي ويرسل رسالة واضحة حول فاعلية العمل العربي المشترك (...) ويؤسّس لمرحلة أكثر تمكّناً وتمكيناً». البيان الغاضب من «أفعال إيران» في المنطقة العربية، ركّز على الصاروخ اليمني الذي أُطلق على مطار الملك خالد في الرياض، ووضعه في إطار «العدوان الإيراني الصارخ على أمن المملكة»، و«تهديد الأمن القومي العربي».
بين الرابع من تشرين الأول، تاريخ زيارة الملك السعودي لموسكو وتسليمه العرض السعودي، والأول من تشرين الثاني، تاريخ زيارة الرئيس الروسي لإيران وتبلّغه الرفض الإيراني، كانت السعودية تُعدّ لما جرى في 4 تشرين الثاني وما بعد. كل التطوّرات المُسجّلة بعد هذا التاريخ، تعتبرها طهران إشارات إضافية إلى عمق الأزمة التي تتخبّط فيها السعودية. وعليه، فهي ترى أن «السعودية قد حرقت مراحل كثيرة من قبل، كانت فيها فرص قبول عرض مماثل متاحة». أما اليوم، فتعتقد طهران أن جارتها اللدود بحاجة إلى «سُلَّم للنزول عن أعلى الشجرة التي اندفعوا إليها في اليمن خصوصاً». لذلك، فهي ترى أن من «عدم الحنكة» أن تحصر السعودية عرضها في اليمن، كما أنه من «عدم الدهاء» أن تقبل طهران بأقل من حوار «سلة شاملة».
على الرغم من ذلك، تصرّ طهران على أن القرار في ما خصّ الأوضاع الداخلية في اليمن بأيدي حلفائها حصراً. في هذا الإطار أتى كلام قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري، عن أن «السيادة في اليمن اليوم في يد أنصار الله». وسحباً للذرائع من يدّ الرياض، أكّد جعفري أن المساعدة الإيرانية لليمن تحمل طابعاً استشارياً ومعنوياً بشكل أساسي». وبالتالي، فإن الضجيج السعودي المفتعل ربطاً بالملف اليمني، لا تفصله طهران عن مساعي «حكّام الرياض الجُدد» لإيجاد مخارج ملائمة لمراوحتها المستمرة في المستنقع اليمني. المراوحة السعودية في المستنقع اليمني تُصبح أكثر خطورة، فيما تتعمّد «أنصار الله» استعراض صواريخ جديدة بمدَيات أبعد مما هو معروف أنه في حوزتها.
من الرسائل الكثيرة التي أرسلتها طهران إلى الرياض، ردّاً على العرض المرفوض، أن «لا حوار حول اليمن لا يلبّي شروط اليمنيين الصامدين في صنعاء وتعز وفي الحُديدة الساحلية»، وأن «لا ضغوط على الحلفاء الذين يصوغون بأنفسهم هذه الشروط». وفي ما يتعلّق بالحوار السعودي ــ الإيراني، فطهران «لا تستعجل حواراً بالمفرّق على ملفات تكدَّست بالجملة».