عندما كان جندياً، كان يكتب على جدران معسكره عبارة «الرئيس علي عبدالله صالح». تدرّج الشاب الطموح في رتبه ومناصبه إلى أن أصبح بالفعل سادس رئيس للجمهورية العربية اليمنية (1978 ــ 1990)، وأول رئيس للجمهورية بعد إعادة تحقيق الوحدة، من عام 1990 إلى 2011، لتصل فترة حكمه إلى ثلاثة وثلاثين عاماً. وهي أطول فترة لرئيس يمني منذ ثورة 26 سبتمبر عام 1962.ولد صالح في 21 آذار/ مارس عام 1942، وهو يتيم الأب، وراعٍ للغنم في طفولته. فضّل الالتحاق بالسلك العسكري وهو في سن الثانية عشرة، ومن ثم انضم إلى مدرسة الضباط عام 1960 وهو في الثامنة عشرة من عمره، ليذيع صيته خلال حرب السبعين يوماً التي شهدتها العاصمة صنعاء إبّان الحصار الملكي آنذاك. انتقل بعد ذلك إلى أكثر من مدرسة وأكثر من معسكر، حيث التحق بمدرسة المدرّعات عام 1964 ليتخصّص في حرب المدرّعات، وتولّى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال بالمدرّعات كقائد فصيلة دروع، ثم قائد سرية دروع، وترفّع إلى أركان حرب كتيبة دروع، ثم قائد تسليح المدرّعات، تلاها قائداً لكتيبة مدرعات.

الطريق إلى السلطة

لمع نجم صالح خلال فترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي، الذي عيّنه في منصب قياديّ مهم، هو قائد للواء تعز عام 1975 برتبة رائد. استمر صالح في قيادة هذا اللواء ما يقارب ثلاث سنوات، وخاض خلال تلك الفترة حرباً ضروساً ضد «الجبهة الوطنية» التي تشكّلت بدعم من الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن، ودارت رحى هذه الحرب في المناطق الوسطى (تعز - إب - البيضاء - ذمار...). كان صالح يتمتع، أثناء هذه الفترة، بقدرات غير عادية وكبيرة للعمل، وفي توطيد علاقته مع العسكريين، من خلال سعيه لحل مشاكلهم وتدعيم التواصل معهم، بالإضافة إلى الحيوية والديناميكية اللتين تميّز بهما عن كثير من العسكريين حينها، حتى إن الكثير من رفاقه يقولون إنّهم كانوا يتوقعون له مستقبلاً باهراً.
في تلك الفترة أيضاً، كان عضواً في «مجلس قيادة الظل» لـ«حركة 13 يونيو التصحيحية»، والذي تأسّس بقيادة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي، وعضوية العديد من القيادات العسكرية حينها، لينقسم بعد ذلك هذا المجلس إلى تيارين، أحدهما يضم أحمد الغشمي، وعلي عبدالله صالح، ومحسن سريع، بينما ضمّ التيار الآخر إبراهيم الحمدي، وعلي قناف زهره، وعبدالله الحمدي، ومنصور عبد الجليل، وعبدالله عبد العالم، ومجاهد القهالي، فيما كان موقفا حمود قطينة وأحمد فرج غير واضحين.
بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وتولّي الغشمي السلطة، أحبط صالح الكثير من محاولات التمرّد، واتهم حينها بتصفية العديد من القادة والمشائخ في تعز، إلا أنه كان ينفي على الدوام ضلوعه في تلك التصفيات. لم تمضِ ثمانية شهور حتى اغتيل الرئيس الغشمي بحقيبة مفخّخة لا يُعرف مصدرها على وجه التحديد، ليتولّى عبد الكريم العرشي رئاسة الجمهورية، مؤقتاً (من يونيو/ حزيران إلى يوليو/ تموز من عام 1978)، ليصبح صالح، عضو مجلس الرئاسة، رئيساً للجمهورية العربية اليمنية، بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع، ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية في 17 يوليو/ تموز 1978، برتبة مقدّم.
استمر صالح في قتاله لـ«الجبهة» إلى أن نتج من الحرب انعقاد مؤتمر قمة الكويت في 30 مارس/ آذار عام 1979، ضَّم رئيسي الشطرين اليمنيين عبد الفتاح إسماعيل وعلي عبد الله صالح، توصّلا خلاله إلى اتفاق على إنهاء الصراع، ليتجه صالح بعد ذلك إلى التركيز على مسائل تنموية، كبناء المدارس والمشافي والجامعات وشق الطرقات، بعد أن استُخرج النفط لأول مرة في اليمن عام 1986.
فتح صالح منذ توليه السلطة علاقات واسعة مع المحيط الإقليمي والدولي، وعمل على أن لا يخسر أيّ طرف من ثنائية الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كذلك عمّق من علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية، وصولاً إلى «تنازله» وتوقيع اتفاقية جدة لترسيم الحدود بين البلدين في عام 2000، كما كان قد وقّع مع سلطنة عمان اتفاقية لترسيم الحدود أيضاً عام 1992.

الوحدة اليمنية وحرب صيف 94

استكمل صالح جهود سابقيه من الرؤساء في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ونجح في ذلك عام 1990، ليصبح صانعها الأول، بالإضافة إلى شريكه في الجنوب الرئيس علي سالم البيض. وفي عام 1994، ونتيجة لخلافه مع صالح، أعلن البيض ما وصفه بـ«فك الارتباط»، الذي اعتبره صالح «انفصالاً»، ليخوض بعدها حرباً استمرت ثلاثة أشهر، تكللت بانتصاره، ثبّت بموجبها الوحدة، وأصدر بعد ذلك العفو العام عن قادة الحزب الاشتراكي اليمني السابقين الذين عرفوا بقائمة الـ16، بينهم البيض، ونائب رئيس الوزراء في حكومة الوحدة حيدر أبو بكر العطاس.

حروب صعدة و«القاعدة»

خاض صالح ستّ حروب ضد «أنصار الله» في صعدة، وصفت جميعها بالعبثية، لأنه «كان يبدأها بتلفون وينهيها بتلفون»، ولم تكن وفق رؤية استراتيجية واضحة، بحسب خبراء عسكريين وسياسيين، ما أودى بحياة ما يقارب 30 ألف جندي وضابط، والكثير من المواطنين الأبرياء.
وفي الفترة ذاتها، مع تبنّي تنظيم «القاعدة» لعملية الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية عام 2001، وقّع صالح اتفاقاً دولياً لمحاربة الإرهاب، وخاض حرب كرّ وفرّ مع «القاعدة»، تلقى خلالها دعماً كبيراً من واشنطن.

«الربيع العربي» والحوار الوطني

وصلت رياح «الربيع العربي» إلى اليمن سريعاً، ليواجه صالح في 2011 انتفاضة شملت جميع معارضيه السياسيين، الممثلين بـ«اللقاء المشترك»، كذلك «أنصار الله»، و«الشباب»، أفضت في نهاية المطاف إلى توقيع المبادرة الخليجية، التي وقّع صالح بموجبها على تنازله عن السلطة لمصلحة نائبه عبد ربه منصور هادي، ومنحه هو وعائلته ورموز نظامه الحصانة من الملاحقة.
تسارعت الأحداث بعد تولّي هادي للسلطة عام 2012، حيث قرّر رفع أسعار الوقود، دعا على إثرها زعيم «أنصار الله» عبد الملك الحوثي إلى عصيان مدني حتى إلغاء القرار. اتفق معه صالح، في ذلك، كما اتفقا على عدم «أقلمة» اليمن في مؤتمر الحوار الوطني، ليقدّم هادي استقالته في 2015، وينتقل إلى عدن، ومن ثم إلى السعودية.

الشراكة مع «أنصار الله» وفضّها

في 25 مارس/ آذار من عام 2015 أعلن «التحالف» بقيادة السعودية الحرب على اليمن، وذلك «لإعادة شرعية هادي». منذ البداية كان موقف صالح واضحاً ضد العدوان، وظهر في خطابات عديدة واجتماعات متعدّدة مع أعضاء حزبه ومشائخ القبائل مندّداً في كل مناسبة بالعدوان. وفي 28 يوليو/ تموز 2016، وقّع مع «أنصار الله» اتفاق تشكيل هيئة تنفيذية عليا سُميت «المجلس السياسي الأعلى»، شُكّلت بموجبه حكومة الإنقاذ الوطني، مناصفة بين الطرفين. استمر صالح في تحالفه مع «أنصار الله» رسمياً حتى 2 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، ليعلن يومها فضّ الشراكة معهم، لأنهم «استمروا في عبثهم وغرورهم».
حاول الرجل قلب الطاولة، لكنه فشل هذه المرة، لينتهي به الأمر مقتولاً في منطقة «ضبر خيره»، وهو في طريقه إلى مسقط رأسه في سنحان، لتُفتح صفحة جديدة لليمن من دون صالح... الذي ظلّ الأول يمنياً لأكثر من أربعة عقود.